الإعلام المغرض بين الفرجة وصناعة التضليل

بقلم: حسني شيلو
يثبت واقع الحال يوميا، أن لا وجود لإعلام محايد فإما أن يكون وسيلة لتحرير وعي الجماهير وتقديم الحقائق كما هي وتعرية واقع الظلم والاستبداد، أو وسيلة تدجين وتعتيم وقلب للحقائق والتلاعب بالعقول وتزييف الوعي وإشغالها عن همومها ومصالحها بأنواع من برامج التسلية والترفيه وصناعة الاهتمامات، الوهمية لصرف الانتباه عن قضاياها الجوهرية ولتساهم في تبديد الوقت وتتويه العقل في عمليات خداع ومبالغات وتضخيم لقضايا ثانوية يقابله تهوين لما يستحق التعظيم، وكي الوعي وصناعة الزيف والانتصارات والامجاد بخلاف الواقع.
الإعلام المكتوب والمرئي في نطاق دوره، يتبنى عادة اتجاهات كلية اختزالية تكثيفية تبسيطية في آن معا قد تتحول إلى مسلمات يصعب تفكيكها وفضحها، بسبب بساطتها، وإحكام صياغتها، وإغراق الإدراك بها، وصولاً إلى هدر فعلي للقيمة والوعي، ويتبع ذلك في عصر الرقمنة الاعتماد على الصور عالية الدقة، مع المؤثرات البصرية والسمعية التي تبهر البصر وتخاطب القلب قبل العقل، أضف الى ذلك ظاهرة ما يسمى التحليل السياسي والذي يتماشى مع سياسة الوسيلة الإعلامية لتدعيم الصورة البصرية، ومن هنا يتم صناعة الحدث وتفصيله حسب الهوى وتقديمه على أنه الحقيقة.
إن عالم الاعلام اليوم يعتمد على صناعة الخبر عوضا عن نقله، عبر المبالغة في الحديث عن انجازات وهمية أو ثانوية والهاء الرأي العام عن المشكلات الحقيقية والاخفاقات المتوالية، صناعة القدسية ليخرجوا من دائرة البشر العاديين الى الاشخاص ذوي معجزات وأفعال خارقة وقدرات قوية، اللعب بتضخيم مفاهيم ومصطلحات معينة والتركيز على بعض الجزيئيات وفصلها عن سياقها العام وتجاهل مناقشة تحديات المستقبل، والقضايا الجوهرية التي تهم المواطن العادي، شيطنة من لا يتفق مع نهج صانع الخبر واتهامهم بالعمالة وتشويه الصورة الأخلاقية.
المجتمع الفلسطيني كغيره وربما على نطاق أوسع، يعاني من سطوة الاعلام الدولي على تشكيل الوعي وصناعة الرأي العام الداخلي نظرا لطبيعة القضية الفلسطينية وتأثيرها على العالم أجمع، وكونها ورقة سياسية ذات قيمة تسعى العديد من الدول التي تعمل على تحقيق مكاسب سياسية لها على حساب القضية والشعب، إلى امتلاكها أو التأثير العميق فيها، وتلك الوسائل الإعلامية تقف خلفها دول تمتلك المال والقوة الناعمة.
ان تركيز شبكة الجزيرة على الوضع الفلسطيني الداخلي، على سبيل المثال، حيث كان ومازال لها دورا كبيرا في ذلك، فهي تصور مجموعات خارجة عن القانون بخلاف الواقع وتظهرها خدمة لأجندات ومخططات غير بريئة ولا مهنية، بأنها مجموعات مقاومة وقامت باستضافة بعضا منهم تحت تلك المسميات والواقع اثبت عكس ذلك، من هنا الخطورة لوسائل الاعلام في تفكيك المجتمع حيث يبدأ الانقسام المجتمعي حول القضية وتشكيل الرأي العام بناء على صناعة الخبر من قبل وسيلة إعلامية بعيدا عن التفكير العقلي السليم.
وأيضا خلال العدوان الهمجي على غزة والسعي الى تضخيم المقاومة الفلسطينية وقوتها وتصوير العدوان على أنه حرب متكافئة بين جيشين، وتأثير ذلك على المدنيين في قطاع غزة بما يسوغ استخدام القوة المفرطة والقاتلة ضدهم.
يثبت الإعلام يوميا تأثيره البالغ الأهمية في مجرى الأحداث، بفضل التطور المتسارع للثورة التكنولوجية من وسائل ووسائط متعددة حولت العلاقة بين الإعلام والسياسة لصفة تلازمية تقوم على تبادل الأدوار وتكاملها، ما جعل وسائل الإعلام قادرة على الفعل في المشهد السياسي، وتشكيل رؤية لدى الجماهير، وتحديد نمط تفكيرها وتصوراتها تجاه القضايا المطروحة والمستجدة هذه المسألة الملحة تتطلب منا نحن أصحاب الفعل والقضية والرسالة، أن نكون جزء من الفعل خارج صالة المتفرجين نتعرض لضربات الاعلام الموجعة وتداعياتها.