الاحتلال يسرق الغاز المكتشف من بحر غزة
بقلم: عائدة عم علي
مع استمرار العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، عاد الغاز إلى الواجهة في ظل انشغال الإعلام بتفسير أسباب الحرب، ظهرت نقاشاتٌ تفيد بأن إسرائيل تَستهدف السيطرةَ على الموارد الطبيعية، وخاصّةً حقلَي الغاز مارين 1 و2، وأن ذلك من الدوافع الرئيسة للعدوان. لاسيما ان احتياطيّ غزّة من الغاز الطبيعي يفوق “التريليون” قدمٍ مكعّب. وهذا يمثّل ثروةً كبيرةً ومطمعاً دائماً لإسرائيل التي درجَت على استغلالِ الموارد الطبيعية الفلسطينية المحتلّة وسرقتِها مثلما يحدث مع المياه الجوفية في الضفة الغربية. وهو أمرٌ لفتت إليه منظّماتٌ دوليةٌ.
وهذا يؤكد ما نشره في مجلة امريكية للغاز والبترول عن مسح غزة عن الخريطة. اذ يفيد المقال بأن الهدف من هذا الدمار والدعوات للتهجير هو منع الفلسطينيين من الوصول الى حقوقهم في مخزون الغاز البحري الضخم والذي تصل تقديراته الاولية نحو ” ١٧٧ تريليون” مكعب من الغاز بقيمة تصل الى ” ٥٣٤ مليار دولار”. وإضافة لذلك يوجد مخزون مؤكد للنفط الخام في منطقة قلقيلية مرورا بوادي قانا وسلفيت الى منطقة رنتيس شمال غرب رام الله ويقدر ب ” ١.٧ مليار ” برميل نفط بقيمة مبدئية ” ١٤٢ مليار” دولار.
وجاء في المقال ايضا ان غاز غزة، أكبر من كل المخزون المكتشف في الكيان وسوريا ولبنان مجتمعين…وبالتالي يستحيل ان يسمح الكيان للفلسطينيين الاستفادة من هذه الثروة النفطية التي يمكن أن تشكل انقلابا تاريخيا لصالحهم.
ويؤكد المقال حصول مفاوضات ولقاءات سرية في عامي “2021 و2022” بين المصريين والإسرائيليين حول هذا الغاز، وتم تحديد بداية عام 2024 للتنفيذ.
لقد دأبَت إسرائيلُ على عرقلة تطوير حقول الغاز في غزة، سواءً بالتضيّق على الفلسطينيين أو بعدم توصّلها إلى اتفاقيات تجارية مع الشركات المختصة. ولا غرابة في ذلك، فإن السيطرة على الغاز الفلسطيني يمثل هدفاً مهمّاً لإسرائيل لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة. وتعكس الأطماعُ الإسرائيليةُ رغبةً واضحةً في تكريس السيطرة على الموارد ومنع الفلسطينيين من إنجاز أيّ نوعٍ من الاستقلال الاقتصادي.
الرئيسُ الراحل ياسر عرفات عام 2000 قبل اندلاع الانتفاضة الثانية بأشهرٍ قليلةٍ ظهر في تلفزيون فلسطين الرسميّ وقد ارتسمَت على وجهه معالمُ الاستبشار والسعادة معلناً اكتشاف حقل غازٍ في بحر قطاع غزّة. ومِن على متن قاربٍ أشار إلى طاقم التنقيب التابع للشركة البريطانية للغاز للبدء بالعمل على المحطة لاستخراج الغاز، الذي وصفه بأنه “هديّة من الله” لأهل فلسطين، آملاً أن يشكّل الاكتشافُ قاعدةً لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني على طريق بناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
بيد أن الآمال تلاشت واحدة تلو الاخرى على مدار عقدَين منذ إعلان الرئيس الراحل حينها عن اكتشاف حقل الغاز في غزة، حتى انطفأَت تماماً في السنوات الأخيرة مع إحكام الاحتلال الإسرائيلي سيطرته السياسية والعسكرية على هذا الملف، لا سيّما منذ اندلاع الانتفاضة الثانية نهاية عام 2000. ثمّ تفاقَم الأمرُ مع تصاعد الحصار الإسرائيلي والحروب المتكرّرة على غزة، خاصّةً بعد انسحاب إسرائيل من القطاع عام 2005 وسيطرة حماس الكاملة عليه في عام 2007.
إسرائيل تسعى جاهدةً لضمان السيطرة على حقول الغاز في فلسطين، ضمن سعيها إلى تعزيز تموضعها في المنطقة، وفقاً لاستنتاج الباحثة “رندة حيدر ” في دراستها “السياسة الإسرائيلية العامة لقطاع الغاز التي نُشرَت في مجلة الدراسات الفلسطينية عام 2017. تؤكّد حيدر حرصَ إسرائيل على تعزيز العلاقات مع دولٍ مثل الأردن ومصر، ودول الجوار كتركيا، وقبرص واليونان من جهةٍ أخرى، انطلاقاً من حرصها على الاستفادة من توسيع سوق الغاز في المنطقة.
يذكر ان الاحتلال يستهدف على المدى البعيد حرمانَ الفلسطينيين من استغلال مواردهم الطبيعية، ومنذ سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007، عمل الاحتلال على تحويل القطاع إلى منطقةٍ غير صالحةٍ للحياة الاقتصادية المستدامة، بتدمير البنى التحتية وتعطيل المشاريع الاقتصادية في كل حربٍ شَنَّها منذ ذلك الحين، وعرقلة أيّ تقدّمٍ في استغلال الغاز الذي يسهم في إنعاش الاقتصاد وهو نراهُ في أَوجِه الآن في العدوان الإسرائيلي المدمر الذي طال كل مناحي الحياة على غزة.
حكومة نتنياهو المتطرفة تعد منشآتِ إنتاج الطاقة، وخاصّةً الغاز، جزءاً مما تسميه أمنِها القوميّ. وقد نتنياهو في خطابٍ له أمام الكنيست الصهيوني في 8 ديسمبر هام 2015: “إذا تضرّرَت إمداداتُ الغاز التي أصبحَت المصدرَ الرئيسَ لإنتاج الطاقة، فإن أمنَنا القوميَّ سيتضرّر… إن ضمانَ سلامة إمدادات الغاز ليس ضرورياً فقط لعمل الدولة، بل لوجودها أيضاً” حسب تعبيره. وبعد هذا الخطاب بأيامٍ، وُقِّعَت اتفاقيةُ تسوية الغاز في منطقة “رمات حوفاف” في صحراء النقب بين حكومة نتنياهو وشركات الطاقة لتطوير موارد الغاز الطبيعي واستغلالها.
أصبح الحديثُ عن أمن الطاقة في الكيان وعلاقته بالعالم العربي أكثرَ إلحاحاً اليوم، إذ تَستورد مصر والأردن الغاز من “إسرائيل”. وتتزايد أهمّيةُ حقول الغاز المكتشفة حديثاً في البحر المتوسط، لا سيّما بعدما كانت “إسرائيل” تعتمد اعتماداً كبيراً على البحر الأحمر الذي يواجه تحدّياتٍ عديدةً كما شهدنا في أثناء الحرب على غزة، حيث الهجمات على السفن التجارية المتجهة إلى الكيان. هذا ما تؤكّده مجلة الدراسات الفلسطينية الفصلية، في عدد ربيع عام 2015، والتي أشارت إلى أن هذه الاكتشافات مكّنَت إسرائيلَ أوّلَ مرّةٍ من دخول قطاع الطاقة العربيّ.
لاشك ان قطاع غزة يقتل ليس بأيدي قوات الاحتلال الصهيوني فقط، بل كل العالم مشترك بسفك دماء وحصار اهلنا، مذابح غزة تبث وتشاهد في كلّ أرجاء المعمورة الخاوية من الضمائر المنحدرة أخلاقياً، ما يحدث في قطاع غزة خزي وعار على المعمورة سواء بالسكوت عن المجازر المروعة و أصوات أطفال غزة وهم يتضوّرون جوعاً. الدماء والأشلاء والأجساد الناحلة والبطون الخاوية والصرخات المدوية في سماء العالم.
غزة كشفت الحقائق ولم يعد هناك شكّ لدى من له قلب أنه لا وجود لشيء مما يتشدّق به من دين وحقوق فالجلاد لن يستثني أحداً ممن طأطأ رأسه عن غزة.
إن أطماع “إسرائيل” في الاستحواذ على أي مصدرٍ محتملٍ للغاز هي أمر حقيقي، والوقائع تشير أيضاً إلى أن سياسة حكومة نتنياهو الفاشية لا تسعى إلى تعزيز نفوذها الإقليمي بالسيطرة على موارد الطاقة فحسب، بل تستغل ذلك لتعزيز سيطرتها على الشؤون الفلسطينية. وهذه السياسات جزءٌ أصيل من رؤيتها للحفاظ على ما أسمته أمنِها ومصالحِها.