أقلام وآراء

مشهديه الحرب في الفكر السياسي الإسرائيلي

  بقلم: د. فريد اسماعيل

هي مشهديه الحرب تطغى على الفكر السياسي لدى الجانب الإسرائيلي، سلسلة مترابطة من الحروب على امتداد جغرافيا الصراع من غزة إلى لبنان والضفة الغربية، يدعي العدو فيها أنه يسعى إلى تغيير استراتيجية الأمن في المنطقة، والحقيقة أنه يحاول حسم الصراع لاعتقاده أن الظروف اليوم أصبحت مؤاتيه لتنفيذ أجندته في ضرب قضيتنا الوطنية ورسم واقع جديد يكرس ضم أجزاء واسعة من الضفة إلى كيانه.

في الواقع، نتنياهو يمتلك اليوم العديد من الأوراق التي تمكنه من التمادي في جرائمه في المنطقة، فهو في اتفاقه حول غزة كما في لبنان، أبقى من خلال العديد من النقاط العامة والعائمة، على نوافذ عدة يمكن أن يستخدمها كمبرر للعودة إلى القتال واستكمال مسلسل اجرامه.  فالاتفاق المبرم بين دولة الاحتلال ولبنان والذي يتضمن تنفيذ القرار ١٧٠١ مع الورقة الأمريكية، لا يمنع إسرائيل بشكل قاطع من التدخل في المستقبل إذا كانت هناك تهديدات أمنية.  ومع صدور هذا العدد تنفذ المهلة الممنوحة في اتفاق وقف اطلاق النار والمحددة ب ٦٠ يوما لانسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من الجنوب اللبناني، في ظل خروقات متواصلة للاتفاق ومطالبة الجيش الإسرائيلي بتمديد احتلاله لمناطق في الجنوب اللبناني لمدة ثلاثين يوما على الأقل لإنهاء ما وصفه ب “المهام الأمنية الضرورية” بحسب ما جاء في تقرير أوردته صحيفة يديعوت احرونوت على موقعها الإلكتروني ( واينت) في ٢٢-١-٠٢٥ ، يضاف إلى ذلك مساع إسرائيلية للتنسيق مع إدارة ترامب للتنصل من الإلتزام باتفاق وقف اطلاق النار في ظل ضغوط محلية لعدم الانسحاب أو تأخيره، ومستندا إلى تصريحاته  المتكررة في الأيام الأخيرة عن اكتشاف كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر في المناطق الحدودية معتبرا ذلك دليلا على أن المهمة لم تكتمل بعد وأن التهديدات لا زالت قائمة، رغم تأكيدات غوتيريش بأن الجيش اللبناني يقوم بواجباته وأنه واليونيفيل قاموا بتفكيك أكثر من ١٠٠ موقع وبنية تحتية لحزب الله منذ توقيع اتفاق وقف اطلاق النار.

ورغم ذلك، فقد توجه نتنياهو إلى إدارة ترامب عبر وزيره للشؤون الاستراتيجية رون دريمرز بطلب السماح ببقاء جيشه في خمس مواقع جنوبي لبنان، مدعيا أن الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل غير قادرين على السيطرة على المناطق الجنوبية في ظل ما يصفه ب ” التهديد المستمر” الذي يشكله حزب الله، مما يبرر استمرار احتلاله للمنطقة، في تناقض تام مع الوقائع على الأرض والتي تظهر انتشار الجيش اللبناني وبشكل قوي في كل مناطق انسحاب جيش الاحتلال.

من المعروف عن نتنياهو براعته في انتهاز واستثمار الفرص. وفي اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، يقوم بالاستثمار في بعض البنود الهشة والعائمة لتبرير اعتداءاته ومحاولة استمرار احتلاله كالحق في الدفاع عن النفس، واتهامه للجيش اللبناني بعدم القدرة على السيطرة، وتفسيره لبعض بنود الاتفاق العائمة والتي يفهمها كل طرف طبقا لمصلحته وموقعه.

استنادا إلى تلك المعطيات، فإن نتنياهو يجد في هذا الاتفاق نوافذ تمكنه من العودة إلى القتال واستمرار اعتداءاته، فمشهدية الحرب تطغى على الفكر السياسي لدولة الاحتلال كما أشرنا.

كما في لبنان، كذلك في قطاع غزة. فقد راوغ نتنياهو أشهرا طويلة حتى وافق وبضغط أمريكي على اتفاق هش لإطلاق النار مع تأكيده أنه ليس نهاية للحرب. اتفاق معظم بنود مرحلته الأولى رمادية ومزروعة بعوامل الافشال والتفجير إذا ما رغب أي طرف بذلك، وبالتحديد نتنياهو الذي لا يرغب في الانتقال إلى اي مرحلة ثانية أو ثالثة، وهي مراحل لم يتم التوافق على أي من تفاصيلها. وهنا نحن لسنا بصدد تشريح ضبابية بنود الاتفاق وتجاهله للقضايا الأساسية، وإنما نحاول ومن خلال الاتفاق مع لبنان استقراء المرحلة المقبلة ومحاولة فهم طبيعة فكر نتنياهو وقدرته على المراوغة وخلق نوافذ في كل اتفاق تمكنه من العودة إلى القتال.

فالاتفاق مع حماس هو كما مع لبنان، اتفاقان لوقف إطلاق النار وليس لإنهاء الحرب، رغم الاختلاف في وقائع وظروف وبنود كل من الاتفاقين والأطراف المنخرطة في كل منهما. ففي لبنان سلم حزب الله موضوع التفاوض للدولة اللبنانية، مما اكسبها الركيزة القوية والزخم في المواجهة ومخاطبة المجتمع الدولي، على عكس حماس المتجاهلة للشرعية الفلسطينية والباحثة عبثا عن زاروب تأمل من خلاله أن تطل على الإدارة الأمريكية الجديدة.

نتنياهو بعد كل جولة حرب يضع فاصلة وليس نقطة. فهي بالنسبة له جولات في حرب كبرى واحدة هدفها كما قلنا في البداية تغيير استراتيجية الأمن في المنطقة في إطار شرق اوسطه الجديد.  لذلك عمد مباشرة إلى تصعيد حربه على الضفة الغربية بحجة ضرب أذرع إيران، ومستثمرا في بعض الممارسات العبثية من مبايعات لولاية الفقيه وغيرها. لكن القاصي والداني يعلم ان حكومة الاحتلال كانت تمارس حرب إبادة في غزة وعينها في الأساس على الضفة الغربية التي تخوض فيها حرب حسم استيطاني وتغيير ديمغرافي هدفه تهجير أبناء شعبنا والضم الفعلي لمناطق واسعة فيها. فنتنياهو يتكئ في حربه على ترامب الذي منح إسرائيل دعما غير مسبوق خلال فترة حكمه الأولى، ويحيط نفسه في ولايته الجديدة بمساعدين يدعمون الاستيطان الإسرائيلي، وبعضهم يؤيد مزاعم المستوطنين بشأن أكذوبة الحق التوراتي في الضفة الغربية.

الضفة اليوم أرضا وشعبا وقيادة وسلطة وطنية في عين العاصفة، وهي جوهر أهداف دولة الإحتلال.

أما آن الأوان لبعض القوى الفلسطينية المرتهنة أن تستيقظ، وتتعظ !!!

 

زر الذهاب إلى الأعلى