المفاوضات ليس شأنا فصائليا بل هو شأن وطني عام
بقلم: د. أحمد مجدلاني
المفاوضات المتنقلة مابين الدوحة والقاهرة للتوصل لوقف اطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي جزئيا أو على مراحل من قطاع غزة المحتل وإجراء عملية لتبادل الاسرى والمحتجزين، لا يبدوا أنه امرا قابل للتحقيق في المدى المنظور ان لم نقل ان هذه العملية قد ترحل لما بعد دخول ترامب للبيت الأبيض ليقدمها نتنياهو لترامب كعربون صداقة وشراكة متجددة تفتح الآفاق نحو شراكة أوسع في تقرير ليس مصير القضية الفلسطينية وإنما مصير الشرق الوسط بما يعرف بالشرق الأوسط الجديد، وربما لم يعد مقبولا لدى نتنياهو كما تشير اليه استراتيجته الجديدة بضوء المتغيرات بموازين القوى الإقليمية وما بعد تدمير غزة واستنزاف قدرات النظام السياسي الفلسطيني بسياسة العقوبات والاقتحامات اليومية للقرى والمدن الفلسطينية علاوة على الحصار المضروب على الضفة وعزل القدس الشرقية عن باقي المناطق الفلسطينية إحياء ترامب لمشروعه القديم الجديد المسمى بصفقة القرن باعتباره يتحدث عن دولة فلسطينية بصرف النظر عن طابع ومضمون وحدود هذه الدولة التي رفضتها في حينها القيادة الفلسطينية، وربما وكما هي عادة نتنياهو بما يتمتع به من قدرات تفاوضية ان يوافق على مشروع معدل لاعتبارات تدخل في صلب استراتيجية الإدارة الجديدة وهو التطبيع مع السعودية والمنافع الاقتصادية الأخرى الناجمة عنه لإنعاش الاقتصاد الأمريكي مع إكراميات ومنح تعطي نتنياهو بما فيها حق ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية كثمن لتمرير هذه الصفقة، لكن المقروء والملموس ان نتنياهو يضع العقبات والعراقيل ويستنبط شروط جديدة عشية كل جولة مفاوضات تجعل من امكانية الموافقة عليها من قبل حماس بما في ذلك الوسيط المصري والقطري غير ممكنا، طبعا باستثناء الشريك الأمريكي الذي يسوق مطالب نتنياهو ويعيد صياغتها ويقدمها كحلول وسط كما فعل بالجولة الأخيرة بالدوحة التي خرج كلا الطرفين ليحمل المسؤولية للطرف الآخر، لكن مع صمت مريب للوسطاء دونما أي تعليق عمن يتحمل مسؤولية التعطيل.
إصرار نتنياهو على استمرار الحرب، والبقاء بمحور فلدلفي ورفضه للانسحاب منه، على مطالبته بزيادة عدد المفرج عنهم وتقسيم الاتفاق لمرحلتين وغيرها من شروط اللحظات الأخيرة لا يضع عقبة امام المفاوضات الجارية فقط، بل ان شغله الشاغل الاستمرار في شراء الوقت اعتقادا منه أن الطرف الآخر أي حماس مضطر لوقف أطلاق النار ويريد صفقة التبادل حتى ينقذ ما يمكن إنقاذه من وعود قدمها على الأقل من ما اسماه معركة طوفان الأقصى وسقفها المرتفع، والذي لم يتحقق منها سوى إعادة احتلال قطاع غزة وتدمير بنيته التحتية وأكثر من مائة وخمسون الف ما بين شهيد وجريح ومفقود ، وما استدرجته هذه الحرب من محاولة لفرض صيغة يدول فيها قطاع غزة تمهيدا لفصله عن الضفة والقدس الشرقية، إيذانا بدفن حل الدولتين المتفق عليه دوليا على أساس تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
بالتأكيد يدرك نتنياهو أن حماس بتمسكها بالتفاوض عبر وسطاء تسعى للتفاوض على دور سياسي لاحق في قطاع غزة اذا ما توصلت معه لصيغة اتفاق، لكنه مع تأكيده لا عودة لحماس ولا للسلطة قد يترك خيارات أخرى ليس من بينها التسليم بالعودة للالتزام الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير وبسط الحكومة الفلسطينية لصلاحياتها ومسؤولياتها على قطاع غزة كما هو الحال بالضفة الغربية.
هدف نتنياهو الأخير معروف ولديه من الاعتبارات الداخلية، بالحفاظ على ائتلافه الحكومي وخشيته من تفككه واضطراره لانتخابات مبكرة قد تطيح به وبائتلافه لكن الأهم تضعه عرضه للمسألة والمحاسبة على التقصير بحرب السابع من أكتوبر وقضايا الفساد التي تنتظره امام القضاء بالمحاكم الإسرائيلية.
اما “الوسيط” أو الشريك الأمريكي وهو التوصيف الأكثر دقة للدور الأمريكي فهو علاوة على تقديمه الدعم العسكري والمالي غير المحدود، وتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي لنتنياهو وحكومته، لا يستخدم أوراق الضغط الكثيرة التي يملكها لوقف الحرب وسحب إسرائيل لقواتها من غزة او على الأقل بالمرحلة الأولى من معبر صلاح الدين، فالإدارة الامريكية المنصرفة ليس لأنها تستطيع بل لأنها لا تريد الضغط على نتنياهو ولذلك تسعى للحفاظ على الانطباع لدى الرأي العام الأمريكي، والمجتمع الدولي أنها تعمل على وقف اطلاق النار وتأمين التبادل لتحرير المحتجزين، لكن ليس بالضرورة أن تفضي الجهود الى نتائج جدية ما دام هناك طرف يمكن تحميله المسؤولية باستمرار.
أن الدرس الأساس الذي ينبغي علي قيادة حركة حماس استخلاصه من تجربة حزب الله وهو يفكك وحدة الساحات وقبوله بالمفاوضات بدون وقف أطلاق النار مع غزة ، وتسليم حزب الله مسؤولية التفاوض للدولة اللبنانية الشرعية، الشيء الذي وان تأخر كثيرا على قيادة حماس القيام به بجرأة وشجاعة بالسابق أن تقوم به الآن بعد ضاقت الخيارات أمامها فلا سبيل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من غزة سوى هذا الخيار تسليم القيادة الشرعية لمسؤولية المفاوضات باعتبار ان المفاوضات شأنا وطنيا عاما لدولة فلسطيني باعتبارها صاحبة الولاية السياسية والجغرافية والقانونية على الأرض الفلسطينية، اذا كانت قيادة حركة حماس معنية وتغلب المصلحة الوطنية على مصالحها الحزبية عليها أن تتخذ هذه الخطوة بدون تردد، وتدرك ان تمسكها بالمفاوضات عبر تفويض القاهرة والدوحة لم ولن يضمن لها ولقيادتها الأمن ولا دور لاحق بقطاع غزة.
الخيار الوطني الوحيد لدى حماس ليس فقط على مسار الحل وإنقاذ شعبنا بغزة والضفة، بما في ذلك حماية نفسها كحركة سياسية ان تصطف خلف الشرعية الفلسطينية بعد ان سقطت رهاناتها محور إيران وأن تكون بديلا أو موازيا لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للعشب الفلسطيني.
نضال الشعب