قطر… تشابك المصالح ووساطة الابادة

Nael Musa
Nael Musa 25 أبريل، 2024
Updated 2024/04/25 at 6:26 مساءً

 

 بقلم : د.فريد اسماعيل

 

في هذا العالم الذي تطغى فيه كفة المصالح في ميزان العدالة الانتقائية المشوهة على كفة الحق، تصبح الإبادة الجماعية لدى المجتمع الدولي وجهة نظر، ودعم المعتدي والقاتل واجبا. وحين تستيقظ إنسانية هذا الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، ولأسباب لا علاقة لها بصحوة ضمير وإنما لامتصاص رأي عام ضاغط وأخرى انتخابية، يضغطون لتوفير مساعدات غذائية لأهل غزة بالتوازي مع رفد الاحتلال بأعداد إضافية ضخمة من الصواريخ والطائرات الحديثة. فمفهوم الإنسانية لديهم يقوم على مبدأ “اطعمهم واقتلهم “، وأن اختلفوا فإنما يختلفون على عدد من سيقتلون.

هذا الموقف الغربي الأمريكي ليس مفاجئا، وإنما هو حتمي ومتوقع طالما أن إسرائيل تمثل قاعدة استراتيجية متقدمة لهم في منطقتنا العربية. كما وان مواقف الدول الإقليمية النافذة، وإن لم يكن على مستوى أحلام البعض، إلا أنه أيضأ لدى شريحة وازنة كان متوقعا. فهذه الدول لطالما استثمرت في أزمات المنطقة العربية لتوسيع دائرة نفوذها وتعزيز وجودها الجيوسياسي، وترسيخ دور لها في خارطة العالم الجديد.

أما الدول العربية، فلم يكن من الصعب التنبؤ بمواقفها بسبب حالة الضعف والوهن والانقسامات نتيجة عوامل عدة منها الاحتلالات الغربية الأمريكية والاقليمية لبعض منها، والربيع العربي المزعوم بثوراته الملونة، وتبعثر جغرافيا بعضها إلى كيانات تهيمن عليها ميليشيات موالية وتابعة، ودول أخرى اختارت أو أجبرت على التطبيع مع دولة الاحتلال بضغط امريكي مباشر عبر ما عرف بالاتفاقيات الإبراهيمية، عملا بالمشروع الأمريكي الهادف إلى إدماج إسرائيل في المنطقة ونظمها الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية.

ربما تستطيع الدول التي بعثرتها الأزمات والانقسامات وحروبها الأهلية أن تجد المبرر لضعفها وعجزها، لكن من عجائب منطقتنا إن بعض دول التطبيع لم تجد حرجا في دعم دولة الاحتلال، والعمل على توفير الأمن والاستقرار لها منذ فترة ليست بالقصيرة. فقد اعترف الدبلوماسي القطري محمد العمادي الذي لطالما نقل الأموال القطرية عبر إسرائيل وبالتنسيق معها إلى حركة حماس، أن أموال المساعدة التي تقدمها بلاده إلى حماس تهدف إلى تجنيب إسرائيل الحرب في غزة مؤكدا أن التعاون مع إسرائيل يجنبها تلك الحرب، في الوقت الذي اعتبرت فيه السلطة الفلسطينية الممارسات القطرية في غزة تجاوزا لها وتدخلا في الشؤون الفلسطينية وعملا يعمق الانقسام في الساحة الفلسطينية ويبتعد بغزة أكثر فأكثر نحو المجهول.

وامعانا من قطر في تعميق الانقسام الفلسطيني ومحاولة إضفاء شرعية التمثيل لأطراف أخرى في تجاوز واضح لمنظمة التحرير الفلسطينية، لا بد من التذكير بتصريح رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية حين قال إن المكتب السياسي لحماس في الدوحة أنشئ بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية كوسيلة تواصل للحركة مع أطراف منها الولايات المتحدة وإسرائيل، وقد حقق الأهداف التي أسس من أجلها خلال صراعات عدة.

ومع استمرار حرب الابادة الصهيونية بحق شعبنا، وجدت قطر نفسها أمام معضلة دعمها لحماس واحتضان قياداتها، وبين علاقاتها مع الجالية اليهودية الأمريكية، وهي ركيزة استراتيجية القوة الناعمة للدوحة في واشنطن والمرتبطة ارتباطا وثيقا بمصالحها الاقتصادية.

لكن مهما كان شكل وحجم تشابك المصالح مع الجاليات اليهودية وغيرها من داعمي دولة الاحتلال، هل يشكل ذلك دافعا او مبررا كافيا لتخلي هذه الدولة أو تلك عن عروبتها وعن أطهر وأشرف قضية على وجه الأرض ألا وهي القضية الفلسطينية!  لقد ذهبت قطر في مواقفها إلى أبعد من ذلك حين اعتبرت نفسها وسيطا وحمامة سلام، وكأنها من كوكب آخر.

وقد عبر عن ذلك وبصراحة مطلقة رئيس الوزراء القطري آل ثاني الذي ساوى بين الضحية والقاتل في المجلس الأطلسي حين قال أنه “يجب أن يفهم دور قطر بوضوح في هذا السياق. دورنا هو الوسيط الذي يحاول جمع الأطراف لسد الفجوات وتقريب المواقف”. لكن المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص لشؤون الرهائن روجر كارستنز فضح الدور القطري في تنفيذه للأجندة الأمريكية حين صرح لمنتدى عائلات الرهائن واللجنة اليهودية الأمريكية أن قطر “تفعل كل ما نطلبه منها”.

لا يمكن استيعاب فكرة أن دولة عربية تجمعها مع فلسطين بالحد الأدنى شجرة العروبة، اختارت لنفسها دور ” حمامة سلام” بين شعب فلسطيني عربي يتعرض للإبادة، ودولة احتلال تذبحه منذ أكثر من نصف عام.  لكن حتى إذا ما حاولنا إيجاد تفسير ما للموقف القطري، فبمجرد وضع تلك المحطات التي ذكرناها في مصفوفة واحدة، لن يكون من الصعب الاستنتاج بأن قطر غير مؤهلة حتى للعب هذا الدور المذل طالما أنها تفعل كل ما تطلبه منها الولايات المتحدة الأمريكية استنادا إلى التصريحات الأمريكية الصريحة. فهذه القيادة لم تعد قادرة على إخفاء دورها المشبوه، مما اضطر رئيس الوزراء القطري محمد آل ثاني يوم الأربعاء في ١٧-٤-٢٠٢٤ الى الإدلاء بتصريح غداة لقاءه بنظيره التركي، وفي محاولة لتبرير مواقف بلاده قال فيه أن هناك إساءة للدور القطري ومزايدات من بعض السياسيين أصحاب المصالح الضيقة، مذكرا أن الوساطة القطرية انطلقت من منطلق إنساني وانهم بصدد إعادة تقييم لها.

هذا التصريح بحد ذاته يشكل لائحة اتهام واضحة. فمتى يتوقف التآمر على فلسطين وشعبها من ذوي القربى!!

عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *