أقلام وآراء

غزة بين الوصاية والحرية.. الإرادة الوطنية تتحدى المخططات الأمريكية

 

بقلم: محمد علوش

تطفو على سطح الأحداث من جديد خطط أمريكية تحمل في ظاهرها بريق “سلام”، بينما تخفي في جوهرها نزعة هيمنة ووصاية على قطاع غزة، بعد الحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل بدعم مباشر من واشنطن وحلفائها، وهذه الخطط، التي تتراوح بين تشكيل مجالس مؤقتة أو فرض إدارة دولية أو إقليمية، لا يمكن النظر إليها إلا بوصفها محاولة جديدة لتكريس الوصاية على شعبنا الفلسطيني وتجريده من حقه الطبيعي في السيادة والقرار الوطني المستقل.

لقد أثبتت التجارب السابقة أن كل المشاريع التي تتجاوز الإرادة الوطنية الفلسطينية محكومة بالفشل، لأن جوهر الصراع لم يكن يوماً إنسانياً أو اقتصادياً فقط، بل هو صراع على الأرض والسيادة والهوية، وما جرى في غزة خلال العامين الماضيين من حرب إبادة جماعية وحصار خانق وتدمير للبنى التحتية واستهداف للمدنيين، كشف الوجه الحقيقي للمخطط الأمريكي الإسرائيلي الذي يسعى إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني ودفعه للقبول بوصاية بديلة عن حقه بالحرية.

إننا، كشعب يرزح تحت الاحتلال منذ أكثر من سبعة عقود، نعي أن الحل الوحيد يكمن في إنهاء الاحتلال بشكل كامل، وليس في إعادة تدوير أدواته تحت مسميات جديدة، فالسيادة لا تجزّأ، والقرار الوطني لا يؤخذ بالوكالة، بل هو حق أصيل لشعبنا دفع ثمنه دماء الشهداء ومعاناة الأسرى وصمود الملايين في مخيمات اللجوء والشتات.

إن رفض الوصاية لا يعني رفض التعاون الدولي أو الدعم الإنساني، لكنه يعني بوضوح أن أي مساعدة يجب أن تمر عبر بوابة الشرعية الفلسطينية، ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، فالتجارب المريرة التي عشناها مع محاولات التفاف بعض الأطراف على القرار الوطني الفلسطيني، أثبتت أن الالتفاف على منظمة التحرير لا يؤدي إلا إلى الانقسام وإطالة أمد الاحتلال.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يحتاج العالم إلى أن يصغي إلى صوت غزة لا إلى أصداء العواصم الغربية، فغزة التي قاومت وصمدت رغم حجم المأساة، وأعطت المثال الأوضح على أن الشعوب لا تهزم مهما اشتدت آلة البطش، ومن بين الركام والدمار، ينهض شعبنا متمسكاً بحقه في السيادة والحرية، رافضاً أي بدائل مشبوهة عن إنهاء الاحتلال.

المطلوب فوراً هو وقف الحرب الإسرائيلية الوحشية، ووقف المجازر بحق المدنيين العزّل، ورفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، بما يكفل حرية الحركة والعيش الكريم لشعبنا، والمطلوب قبل كل شيء هو انسحاب كامل وغير مشروط لقوات الاحتلال من القطاع، باعتبار أن وجودها هو جذر المأساة ومصدر كل أشكال العنف.

أما محاولات فرض إدارة دولية أو إقليمية، أو تشكيل ما يسمى بـ”مجلس السلام” بإشراف أمريكي أو أوروبي، فهي مجرد التفاف على الحقيقة الأساسية، أن غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين، وأن القرار بشأن مستقبلها لا يصنع إلا بيد أبنائها، ضمن الإطار الوطني الفلسطيني الجامع.

لقد آن الأوان لأن يدرك المجتمع الدولي أن الحلول الجزئية أو الإملاءات الخارجية لا تصنع سلاماً، بل تؤسس لجولات جديدة من الصراع، وأن السلام الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة للاجئين إلى ديارهم التي هجّروا منها.

ما يجري اليوم في غزة هو اختبار أخلاقي وسياسي للمجتمع الدولي، فإما أن ينحاز إلى قيم العدالة والحرية ويناصر حق شعبنا في التحرر، أو أن يبقى شريكاً في الجريمة من خلال صمته وتواطئه مع آلة الحرب الإسرائيلية.

إن إرادة شعبنا لم ولن تنكسر، فغزة، رغم الجراح والدمار، ستظل شوكة في حلق الاحتلال، وراية للحرية والصمود، ومن قلب هذه المعاناة تولد دوماً الإرادة التي تصنع المستقبل، مستقبلٌ نريده خالياً من الاحتلال والحصار، قائماً على السيادة الوطنية والقرار الفلسطيني الحر، بعيداً عن أي وصاية أو هيمنة خارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى