أقلام وآراء

خطاب ترامب في نسخته الجديدة!

 

 

بقلم: عايدة عم علي

لا نعلم بعد، إذا كان خطاب الرئيس الأمريكي الجديد سيحدث تحولات تاريخية في واشنطن، عبر نسخة ترامب الجديدة التي اختلفت في الشكل دون المضمون إذ يطلّ الرجل الذي سيقود الامبراطورية الأميركية أربع سنوات بأداءٍ مختلف، وان كان يصعب التنبؤ بمواقف الإدارة الجديدة على المسرح الدولي، خاصة وأنه أثار جدلاً واسعاً منذ بداية حملته الانتخابية وصلت أصداؤها إلى عواصم العالم وخاصة الأوروبية التي لم تسلم من حمم قذائف أطلقها في غير اتجاه.
سياسة واشنطن سواء مع ترامب أو سواه لم تحيد قيد أنملة عن ذات التوجهات والمصالح، كونها تقوم على الانحياز والعداء وتقديم أولوياتها بما يحقق مصالحها الاقتصادية والأمنية، لذا لا نتوقع كثير من التغيرات لا سيما بما يتعلق ٍبالشرق الأوسط وفلسطين والتي لا يقوم الرئيس بصناعة سياستها وتحديد استراتيجيتها بعيداً عن أروقة صناع السياسة الأمريكية. إذ يدشّن ترامب زمنه الجديد بمقاربة تشبه رؤية اليمين الصهيوني للشرق الأوسط، فيمعن في إظهار القدرة على البطش والفتك بكلّ من يعترض طريقه.
لكن جديد كشفه النيات الأمريكية هو لما يُخطّط له في أروقة سياسة صناع القرار الأمريكي الثابتة ولم تتغير أو تتبدل بتعاقب الإدارات بمؤسساتها العسكرية والأمنية.
أمام هذا القلق والتباين في المواقف وتعاطي الإدارة الأمريكية الجديدة مع ملفات المنطقة والعالم فإن ترامب الذي يتمتع بأغلبية جمهورية في الكونغرس لم يتسنّ له اتخاذ قرارات حاسمة إلا بما يخدم ويدعم مصلحة الكيان الصهيوني على حساب الحقوق الفلسطينية وهو الذي نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة واختار دافيد فريدمان سفيرا مناصراً للاستيطان، ودعم أجهزة استخباراته للتنظيمات الإرهابية لافتعال الحروب وتصدير أزمات الداخل الأمريكي للخارج لنشر الفوضى وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
مهما بالغ الخطاب الأمريكي واستمرّ في غيّه وقصر أولوياته، إلا أنه لا يرقى إلى مستوى التراجع عن المخطط التدميري المرسوم للشرق الأوسط وزرع الفتن المذهبية، انسجاما مع غاية الاحتلال لتصفية غزة، والقضية الفلسطينية، وعين الاحتلال على لبنان وسورية، وصولاً إلى الفرات، وقبله النيل.
ليس مصادفة أن أوّل قرارات ترامب إلغاء عقوبات بايدن على مستوطنين ارتكبوا أعمال إرهاب ضدّ فلسطينيين، وبعدها تنطلق آليات الاحتلال لتنفيذ عدوان شامل على جنين وباقي الضفة المحتلة، تحت اسم “عملية السور الحديدي” لتثبيت الاستيطان وتوسيعه، بعين تلمودية وعقيدة صهيونية تسمي الضفة “يهودا والسامرة” مثل السعي لتغيير اسم “خليج المكسيك” إلى خليج أميركا، ومصادرة قناة بنما وإخضاعها لهيمنة الإمبراطورية الترامبية.
لكن هناك مخاوف أثارت حفيظة ترامب الذي لم يكن يتوقعها بعد ما فرضه علاقات التطبيع في المنطقة بين بعض الدول أن تنتهي تلك العلاقات إلى هذا الشكل بعد أربع سنوات، وبخاصة وهو يرى أن المقاومة استنزفت وعرت كيانه الإسرائيلي وكشفت عن ارتكابه إبادة جماعية وجرائم حرب غير مسبوقة.
فالرئيس الأمريكي يواجه جدول عمل يجد فيه بنيامين نتنياهو المفضل لديه حتى عام 2020، أصبح مجرماً مطلوب القبض عليه من محكمة الجنائية الدولية، والعالم يندد بالكيان الذي تواجه جبهته الداخلية أسوأ أزماتها بين الأحزاب وبين المستوطنين وداخل الجيش، وهذه عوامل لن تجعل طريق ترامب سهلاً في دفاعه عما يرغب فيه أو يطلبه الكيان.
ومع أن الإدارة الأمريكية لم تخرج من عقلية القطبية الأحادية دون التسليم أن هناك أقطاباً دوليين وإقليميين يقفون في مواجهة هيمنتها ويرفضون قوانينها العنصرية التي لا تقدم إلا المزيد من الفساد والحروب لخدمة مصلحتها وغطرسة أميركيا.
العالم الذي تركه ترامب عام 2020 لم تعد فيه الولايات المتحدة الدولة الأقوى المهيمنة، فقد تآكلت قدراتها أمام روسيا وحربها ضدها بوساطة أوكرانيا، كما تآكلت أمام الصين ولم تنجح في تجنيد دول آسيوية مهمة لمشاركتها في الحرب على الصين برغم أن إدارة بايدن وضعت مهمة تحجيم الصين ومحاصرتها في أولوية مهام السياسة الخارجية.
كذلك الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي لم يتمكنوا من ردع روسيا وأصبحوا يميلون إلى عدم التجاوب الواسع مع السياسة الأميركية تجاه المواضيع العالمية، وأدركوا أن واشنطن أرادت اشغالهم بروسيا لكي تنخفض هي أعباء المجابهة، وهذا العامل يدفعها إلى إعادة النظر في سياساتها فيما يتعلق بواشنطن.
الرئيس المتغطرس ترامب أظهر فشلا ذريعا بإدراكه حق اليقين أن السياسات الأمريكية وعلاقاتها ترتكز على خطط عامة تخضع لاستراتيجيات مقررة تحد من صلاحيات الرئيس المطلقة في القيام بإجراء يتعارض مع الخطط والاستراتيجيات الموضوعة مسبقا.
ولهذا ستتجه المنطقة إلى مرحلة يتولى فيها ترامب تحديد خريطة الطريق ودفعها بكل أشكال الضغوط والإكراه العلني، على معظم دول الشرق الأوسط لتحقيق الأهداف التي أخفق بايدين في تحقيقها، والسؤال الذي يطرحه هذا الوضع: هل يجد ترامب نفسه قادراً على تحقيق أهدافه بعد أن حكم أربع سنوات سابقة؟
لا شك أن المرحلة الأمريكية القادمة ستكون حافلة بالأحداث وما تلاها من قرارات تصادمية ولا سيما بما يتعلق بموضوع الهجرة والأقليات مروراً بإلغاء مشروع التأمين الصحي ” أوباما كير” بعد رفض الكونغرس إقرار موازنته، إضافة إلى التضخم ومستقبل التواجد الأمريكي في الخارج والتعاطي مع أزمات العالم.
فيما يبقى السؤال كان باستطاعة ترامب الخروج عن تقاليد الإدارات الأمريكية المتعاقبة ويحدث اختراقاً غير مسبوق في تعامله مع أزمات المنطقة؟ أم سيجترها بعد حين رغم بريق التصريحات؟!

 

زر الذهاب إلى الأعلى