السفير النمورة: بعثاتنا الدبلوماسية والسفراء يقومون بعمل مشرف كمناضلين لا موظفين
البوسنة والهرسك شهدت بواكير الحراك الشعبي العالمي ضد العدوان ودعم فلسطين
– جاليتنا ليست كبيرة العدد لكنها محط ترحيب منتجة ومؤثرة وليست عالة على أحد
حوار وتقرير نائل موسى
تقيم سفارة دولة فلسطين في سرايفو علاقات ممتازة تترسخ يوميا وتتعمق على الصعد الرسمية والأهلية والشعبية وتتمتع بحضور ملموس مختلف الأوساط في جمهورية البوسنة والهرسك بمستوياتها التي بدأت تزدهر وتثمر أكثر على المستويات السياسية والاقتصادية الثقافية والفكرية والإعلامية والاجتماعية وسط مساع حثيثة يبذلها السفير رزق النمورة “أبو جهاد”، وكادر السفارة لتعزيزها أكثر.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023 حيث تشن حكومة الاحتلال الإسرائيلي عدونا شاملا وحرب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، شهدت سرايفو وارجاء البوسنة والهرسك جهدا رسميا وحركا شعبيا واسعا مؤيدا لفلسطين ومناهضا للعدوان يعتبر من بواكير الحراك العالمي ترافق مع حملات تبرع ودعم، لكنه لم ينل حظا كافيا من تسليط الضوء الإعلامي.
وترافق الحراك الشعبي، مع جهد رسمي صديق تجلى في جانب منه، في تصويت البوسنة والهرسك الى جانب القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة ومختلف مؤسساتها والمنظمات والاتفاقيات الدولية بعد ان درجت سابقا على الامتناع في تطور لافت في موقفها المعلنة.
البوسنة والهرسك دولة صغيرة، اذ يقدر عدد سكانها بنحو4 مليون نسمة، يعيشون على 51،000 كم²، ويرتقي مستوى التمثيل الدبلوماسي لفلسطين فيها الى سفارة افتتحت رسميًا عام 2000، يقابلها سفير لدى دولة فلسطين غير مقيم، يقيم في الأردن، وتعتبر العلاقات بين الجانبين تاريخية وتعود الى عهد يوغسلافيا السابقة التي كانت من اشد الداعمين للحق والنضال الفلسطيني، وازدهرت اكثر في عهد الرئيسان تيتو، وياسر عرفات.
وجمهورية البوسنة والهرسك، إحدى مكونات يوغوسلافيا السابقة، لديها نظام سياسي معقد، وفريد من نوعه بالقياس للنظم السياسية في العالم، فهو نظام جمهوري ولكن هناك مجلس رئاسة من ثلاثة أعضاء كل منهم يمثل قومية، وهي البوشناق، الصرب، الكروات، وتجري فيها انتخابات رئاسية وتشريعية كل أربع سنوات.
مجلة نضال الشعب، حاولت تسليط الضوء أكثر عن الجهد الدبلوماسي الفلسطيني عموما، والمبذول في البوسنة والهرسك خصوصا في ظل المخاطر والتحديات الكبيرة وصعوبة المعركة في هذا الجانب السياسي الهام، عبر الحوار التالي مع السفير رزق النمورة مغتنمه وجوده في الوطن للمشاركة في اعمال اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني في دورتها الأخير حيث انتخب لعضوية مكتبها السياسي.
تفرض الأوضاع شديدة الخطورة التي يفرضها الاحتلال الاسرائيلي بحرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة وعدوانه الشامل على الشعب الفلسطيني وما يرافقه من مخططات ومؤامرات دخلت حيز التنفيذ لحسم الصراع وتصفية القضية الفلسطينية تحديات ومهمات ربما تكون أكثر حدة على الدبلوماسية الفلسطينية، كيف تتصدى سفارات دولة فلسطين في الخارج للمستجدات في سعيها لتحشيد الدعم الدولي ومناهضة العدوان وصون قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه حول العالم؟
– التحديات التي تواجه الدبلوماسية الفلسطينية وسفارتها على ضوء التطورات الخطيرة، بات أكبر من كل المراحل السابقة جراء العدوان وحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على شعبنا وخصوصا في قطاع غزة حيث أصبح يدير هذا العدوان بشكل سافر ومنهج يسعى عبره الى تهجير شعبنا داخليا بعد أفلس مخطط طردهم خارج القطاع ربما لفرض مناطق عازلة او افساح المجال امام الاستيطان مستقبلا وغيرها من المخططات الإسرائيلية.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اللحظة تضاعف حجم التحديات واختلفت نوعيا حيث أصبح المخطط قيد التنفيذ، ومن ناحية أخرى العمل الدبلوماسي الفلسطيني وعمل السفارات واجه دائما تحديات كسفراء لدولة فلسطين ممثلين لها ولشعبنا وللقضية الفلسطينية في العالم، لكن استمرار الاحتلال وتصرف الكيان كدولة خارجة على القانون وفوق الشرعية الدولية ولا تلتزم بأية قرارات او قوانين، حتى الاتفاقيات المبرمة مع منظمة التحرير داستها ومزقتها فرضت تحديات كبيره نتصدى لها بحزم وقوة على مختلف الصعد.
هل يؤثر هذا التحدي على باقي المهمات الجوانب الأخرى بما فيها الخدمات المقدمة لأبناء الجالية؟
– سفاراتنا في الخارج تبذل جهودا جبارة في إطار مهمتها وطبيعة عملها تقوم سفاراتنا وسفراؤنا بمهام جليلة لتمثيل شعبنا ودولته والدفاع عن حقوقه ومصالحة العليا على مستوى العلاقات الثنائية مع الدول إضافة الى الخدمات التي تقدم للجاليات الفلسطينية فيها بكل سلاسة واحترام وتقدير.
ونتيجة لواقع الحال الفلسطيني، تقف احينا بعض القضايا عائقا امام خدمة أبناء جالياتنا بالشكل الأمثل والاقصى، لكننا نبذل أكثر من حدود الإمكانيات المتاحة في خدمة أبناء الجالية والسهر على مصالحهم ورعايتها.
وماذا بشأن الجالية الفلسطينية في البوسنة والهرسك لناحية ودورها وفعالياتها والعلاقة مع سفارة بلدها؟
-ربما الجالية الفلسطينية هنا ليست كبيرة عددا، واغلبها من الدارسين في يوغسلافيا سابقا والبوسنة والهرسك خصوصا، وكثير منهم بقي هناك وتجنس وأصبحوا بوسنيين فلسطينيين وهم وعائلاتهم ومن اتى بعد حرب 1992 الى 1995 تبلغ الان نحو 1000 فلسطيني، وهناك العديد من الطلبة الفلسطينيين الدارسين اما عن طريق منح دراسية او دراسة خاصة.
في الواقع لدينا جالية فاعلة جامعيون وخريجون، منتجون لا يعيشوا عالة على البلد وبعضهم جاء لاحقا بحثا عن فرص استثمارية مهما كانت بسيطة الا انها تسهم في رفد الاقتصاد الفلسطيني حيث جزء من هذه العوائد تحول الى عوائلهم في الوطن والشتات وهي أيضا تخدم البلد المتواجدين فيها لناحية الاقتصاد والتنمية والمعيشة، وبالتالي أبناء جاليتنا جميعا منتجين واعين وليسوا عبئا على أحد.
ربما هناك إشكاليات بسيطة اغلبها ذات طابع اداري يتعلق بطبيعة قوانين البلد بمعنى انه لا توجد مشاكل جدية والفلسطيني شخص مرحب به من كل الاطياف والمجتمع في البوسنة والهرسك مجتمع صديق في مجمله وليس معاديا.
في مواجهة العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، شهد العالم حركا شعبيا داعما لفلسطين ومطالبا بوقف الحرب، هل وجد هذا الحراك صدى في البوسنة؟
-ربما كانت البوسنة والهرسك من أوائل الدول التي أسهمت بشكل فعال وعلني وجماهيري في ادانة العدوان وكانت اول مظاهرة بعد اسبوعان من شنه وكانت أكبر مظاهرة تشهدها سرايفوا بعد الحرب الداخلية وشارك فيها كل أطياف المجتمع وغالبية الأحزاب السياسية.
وعلى الجانب الرسمي نحن لا نواجه مشكلة حقيقية، هناك ملابسات لأفراد في بعض الأحزاب وهي محدودة ولا تؤثر على السياق العام، حيث حالة من التعاطف والدعم رسميا وشعبيا بأشكال مختلفة.
كما ان هناك مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الاهلية دعمت ولا تزال تدعم شعبنا في قطاع غزة من خلال التبرعات والجوانب الإعلامية والمعنوية منها “المشيخة الإسلامية”، و”مؤسسة ساعد” وقد أسهمت هذه بشكل كبير في جمع التبرعات من مختلف المناطق البوسنية وتوجيها الى فلسطين، كما ان هناك عديد البلديات والحكومات المحلية قدموا تبرعات نقدية مباشرة عبر الحساب الموحد تحت اشراف سلطة النقد الفلسطينية وهو خاص بدعم غزة.
أين دور السفارة وفعاليتها من هذه كل الجهود؟
-نعم، جميع هذه الفعاليات والتبرعات والاتصالات وغيرها مما يخص القضية الفلسطينية يتم بالتنسيق معنا او بترتيب منا او عبر التعاون الوثيق بيننا وبين هذه الجهات، فعلاقتنا ممتازة ودائما مفتوحة مع مستويات الدولة ومع المؤسسات بما فيها البلديات والحكومات المحلية والجامعات.
عملت السفارة دائما على تعزيز العلاقات الثنائية بين فلسطين والبوسنة في مختلف المجالات عبر بلورة وتوقيع اتفاقيات، هل بوسعك وضع القارئ في بعض هذه الجهود وأبرزها؟
-هذه حركة وجهد مستمر نسعى الى تعزيزه ومراكمته دائما، وفي اطارة تم توقيع عدد مهم من الاتفاقيات الثنائية منها على سبيل المثال لا الحصر، اتفاقية مشاورات سياسية ثنائية تعقد سنويا بين وزارتي الخارجية في البلدين بمشاركة السفارة، اتفاقية معاملة بالمثل، اتفاقية بين وكالة الأنباء الفلسطينية وفا ووكالة الأنباء الفيدرالية فينا، اتفاقية تعاون بين جامعة القدس وجامعة سراييفو، واتفاقية تعاون بين جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وجمعية الصليب الأحمر للبوسنة والهرسك والتي تضم الهلال الأحمر والصليب الأحمر هناك
وعلاوة على ذلك، هناك أيضا العديد من الوفود من الجانبين تبادلت الزيارات، كما تم ترتيب لزيارات لرئيس مجلس الرئاسة وكان صربي في ذلك الوقت واخرى لرئيس مجلس الرئاسة وكان بوشناقي، وهذه زيارات دولة رسمية، وعلاقتنا في هذا المجال تتطور واخذت بعدا إيجابيا وأصبحت الصورة واضحة لديهم عن فلسطين كما هي في فلسطين عن البوسنة.
يحظى المجال الثقافي والنشاط الفكري والتوعي للجمهور والمجتمع البوسني خاصة المتعلق بالقضية الفلسطينية والسردية الفلسطينية، برعاية واهتمام لافت من قبل السفارة، ما هي أبرز الأوجه في هذا المجال؟
-نحن ندرك أهمية هذا الجانب ونولي التبادل الثقافي والمعرفي الاهتمام اللائق ومن بين الأنشطة في هذا الجانب، ترتيب محاضرة للسفير في الجامعات حول القضية الفلسطينية من مختلف الجوانب وتاريخ العلاقات البوسنية الفلسطينية بهدف تقيمها وتطويرها في مختلف المجالات وتعميقها أكثر وقد بات تقليدا يحتذى.
كما ان هناك حركة ترجمة جيدة للكتب الصادرة بالعربية حول القضية الفلسطينية وبما فيها الحديثة حول العدوان المستمر على شعبنا وخصوصا في قطاع غزة الى اللغة البوسنية
وأيضا، يتم تنظيم مهرجانات بالتنسيق مع السفارة وبحضور السفير الذي تكون له الكلمة الرئيسة في هذه الفعاليات في المدن والبلدات والبلديات والجمعيات المختلفة
هناك حراك جيد لصالح القضية الفلسطينية لكن ربما لان البوسنة والهرسك ليست من الدول الكبرى والمؤثرة بشكل كبير في السياسة الدولية وبالتالي لا يتم تسليط الأضواء كفاية على فعاليتها اعلاميا.
وماذا بشأن تبادل الزيارات والوفود الشعبية وتنشيط التبادل التجاري والسياحة البينية وخاصة الى فلسطين؟
-نبذل جهدا في هذا الصدد، وقد حضرت عديد من الوفود الشعبية البوسنية الى فلسطين وقمنا في مرات عديدة بالترتيب مع شركات سياحة وعرض الأماكن الدينية حيث التنوع في الأماكن الإسلامية والمسيحية شديدة الأهمية للعالم وللبوسنة حيث يعيش خليط من القوميات واتباع الديانات المختلفة وأيضا عرض فرص السياحة في فلسطين.
وقد عملنا على التشبيك والربط بين المؤسسات والشركات في البلدين لتنشيط حركة السياحة، لكن المعيقات التي يخلقها الاحتلال من قبيل تصاريح الدخول ونظام التأشيرات وغيرها، فللأسف المعابر والحدود البرية والجوية والبحرية جميعا ليست حتى الان تحت اشراف دولة فلسطين حتى الان وبالتالي الاحتلال هو من يتحكم في الحدود وهذه أحيانا تعيق حركة السياحة وتنشيطها بالشكل الذي نطمح له
وهذه المعضلة تنطبق أيضا على التجارة وعمليتي الاستيراد والتصدير الذي يحتاج الى اخذ موافقات من جانب دولة الاحتلال وضمن مواصفات وشروط غالب هدفها الإعاقة والتعطيل الدائم، بمعنى اننا لسنا مطلقي اليد كأي دولة أخرى بحكم اننا مازلنا دولة تحت الاحتلال.
هناك من يقلل من شأن الجهد الدبلوماسي الفلسطيني، ومن جدوى عمل السفارات ويرى ان نتيجة جهدها اقل بكثير مما تتكلف من مصاريف واموال، كيف تقرأون هذه الأحاديث؟
-في الواقع، وبكل موضوعية هذا حديث وادعاء غير صحيح، زعم البعض المغرض ان السفارات الفلسطينية مؤسسات لصرف المال دون جنى مكاسب ونتائج، وهذا هراء لا قيمة له.
سفاراتنا تقوم بواجباتها على أكمل وجه وبأقل الإمكانيات الممكنة، وإذا اردت ان تقارن أيا من سفاراتنا في العالم مع ابسط سفارة لأبسط دولة في العالم ستخد ان امكانياتنا لا تذكر قياسا بسفارات أخرى، ومع ذلك الدبلوماسيون وكوادر السفارات والسفراء يقمون بمهامهم بشكل مشرف ويمارسون مهامهم كمناضلين لأجل شعبهم وليس فقط بصفتهم موظفين
هذه الصورة النمطية التي يحاول البعض تصديرها وترويجها صورة غير صحيحة انا هنا لست في معرض الفاع وانا انقل الواقع والحقيقة
كيف تقيمون او تنظرون الى مساعي جمهورية البوسنة والهرسك للانضمام للاتحاد الأوربي وأثره المحتمل؟
-البوسنة والهرسك عضو مرشح منذ سنتين للاتحاد الأوربي، وينتظرها مزيد من الوقت لتكييف قوانينها والبنى التحتية والمتطلبات الأخرى التي يطلبها الاتحاد الأوربي من أي دولة تريد الانضمام له.
ونرى انهم قطعوا شوطا مهما في هذا الاتجاه، وانا على المستوى الشخصي والخبرات المتراكمة لدي والصداقة بين شعبينا في فلسطين والبوسنة أتمنى لهذه البلاد كل الخير والتقدم من اجل رفعة ورخاء مواطنيها ورفع مستوى حياة الناس، نحن الفلسطينيون نريد لمحبينا واصدقاؤنا ان تكون شعوبهم ودولهم واوطانهم بأفضل حال.