أقلام وآراء

نتنياهو وشركاه ملاحقون كمجرمي حرب

بفلم: د. أحمد مجدلاني

رد الفعل الهستيري من قبل نتنياهو وشركاه في حكومة القتل والإبادة الجماعية لم يكن مستغربا ولا خارجا عن مألوف ردود الأفعال المتوقعة، على قرار المحكمة الجنائية الدولية “بوجود أسباب منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت قد اشرفا على جرائم ضد المدنيين في الفترة ما بين 8 أكتوبر و20 أيار/ مايو 2024” وهو الموعد الذي قدم فيه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان طلب مذكرة الاعتقال ضدهما، وربما ما هو اخطر من ذلك ما جرى بعد هذا التاريخ من مجازر مازالت متواصلة الى اليوم، باستخدام سلاح الجوع والحرمان كوسيلة من وسائل القتل والإبادة الجماعية في شمال قطاع غزة، وهي لم تضاف بعد الى سلسلة الجرائم السابقة التي جرى اصدار المذكرة حينها، لكنها ستكون قضية جديدة من جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي سيحاكم عليها نتنياهو وغالنت وكل من تسبب بهذه الكارثة الإنسانية للشعب الفلسطيني بقطاع غزة والضفة والقدس .

إنه قرار تاريخي وغير مسبوق، يضع إسرائيل ولأول مرة في دائرة اتهام دولية مما يعني ان الحصانة التي كانت تتمتع بها إسرائيل عبر ترويج نفسها تاريخيا انها شريك للغرب بقيم الحرية، الديمقراطية وحقوق الإنسان، سقطت وسقط معها أيضا الأتكأ على الولايات المتحدة الامريكية بأنها لوحدها تشكل السياج الحامي لإسرائيل من الملاحقة والمسألة والمحاسبة الدولية.

هذه السابقة يمكن البناء عليها أمام المحكمة بملاحقة مرتكبي جرائم الحرب من المدنيين والعسكريين لأن القرار بمنطوقه ومضمونه شمل رئيس الوزراء بصفته المدنية ووزير الحرب بصفته العسكرية، وبالتالي فإن جرائم الحرب والعدوان والإبادة الجماعية لا تسقط بالتقادم، ويمكن مواصلة العمل لإصدار قرارات أخرى لجلب المجرمين أمام المحاكم الدولية.

القرار ليس سياسيا بل قانونيا بامتياز، وإذا ما دققنا أكثر بأبعاده من جهة القانون الدولي، فإننا نجد:

  • انه إقرار من أعلى هيئة قضائية دولية بنزع شرعية العدوان على شعبنا بادعاء حق الدفاع عن النفس التي حاولت إسرائيل وواشنطن وبعض الدول الغربية تبنيها لتبرير دعمها وإسنادها للعدوان الإسرائيلي المتواصل على شعبنا منذ أربعة عشر شهرا.
  • القرار فتح المجال أمام القضاء الوطني في كافة البلدان وخصوصا الموقعة على ميثاق روما لملاحقة نتنياهو وغالنت وآخرين من المسؤولين المدنيين والعسكريين في حكومة نتنياهو وهو ما يضع عبئا كبيرا وإرباكا أمام السياسة الخارجية والدبلوماسية الإسرائيلية مع كافة البلدان، وهو ما ينبغي علينا متابعته عبر شبكة المنظمات الاهلية والحقوقية الداعم للحق الفلسطيني في هذه البلدان.
  • بخلاف الإدارة الديمقراطية المنتهية ولايتها والتي عارضت بشدة قرار المحكمة بادعاء عدم ولايتها، هذا الادعاء الباطل يدحضه قرار الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة الجنائية الدولية في 28 يناير 2020 بجدولة اختصاص المحكمة، وكذلك قرار المدعي العام في 3 آذار 2021 بفتح تحقيق رسمي استنادا لقرار الدائرة التمهيدية الأولى بأن اختصاص المحكمة يشمل غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، فإن أدارة ترامب المقبلة ستكون في موقف حرج للغاية اذا ما واصلت تنكرها لقرار المحكمة في الوقت الذي تضع فيه على رأس جدول أولوياتها السلام الإقليمي بالمنطقة والتطبيع مع المملكة العربية السعودية، فمسيرة التطبيع مع مجرمي الحرب بإسرائيل نظرا للتبعات القانونية والسياسية المترتبة عليها لن تشكل حافزا لأي كان للانخراط في عملية سياسية مهما كان ثمنها.
  • سيوفر القرار أمام أصدقاء ومناصري الحق الفلسطيني في العديد من دول العالم على ملاحقة شخصيات رسمية وغير رسمية قدمت الدعم لإسرائيل في حربها أمام القضاء المحلي، بما في ذلك الجامعات والمؤسسات المختلفة التي تقيم علاقات تعاون مع جيش الاحتلال الاسرائيلي، خشية التعرض لأحكام قضائية في بلدانها تدمر سمعتها

أو قد يجبرها القضاء على دفع تعويضات لضحايا العدوان التي كانت شريكا به.

  • ان هذا القرار سيزيد من عزلة إسرائيل الدولية على ما هي عليه، وخصوصا في حال لجوء حكومة نتنياهو المتطرفة لاتخاذ إجراءات عقابية ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك ضم أراض في الضفة الغربية استجابة لأصوات المتطرفين والفاشيين الجدد للمطالبة بتدفيع الثمن للقيادة الفلسطينية والسلطة.
  • لكن الأهم وأخيرا ان القرار شكل نهاية الحياة السياسية لنتنياهو ولليمين المتطرف والفاشيين الجدد، لأن إصراره على البقاء في السلطة ليس فقط تحديا للمجتمع الدولية وزيادة في عزلة إسرائيل الدولية، بل سيوفر سلاحا بيد المعارضة السياسية والمجتمعية بمختلف تلاوينها داخل إسرائيل لتهب لمواجهته وإسقاطه وتحالفه تحت شعار إنقاذ إسرائيل من العزلة والعقوبات التي ستكون بدون شكل الضربة الثانية التي ستتلقاها إسرائيل.

الاستنتاج الرئيس من قرار المحكمة ان السياسة العقلانية والواقعية والحكيمة للقيادة الفلسطينية قد اثمرت عن هذا الانتصار التاريخي، وهذا القرار كان ثمرة جهد فلسطيني خالص منذ عام 2015 بدأ تقديم الطلب للمحكمة الجنائية الدولية بعد المصادقة على ميثاق روما، وأن التشكيك بجدوى المسار السياسي، والدبلوماسي، والقانوني، الذي يراكم الإنجازات بالنقاط، أسقط الادعاء لدى البعض بأن خياراته ستحقق النصر للشعب الفلسطيني بضربة.

هذا القرار التاريخي اذا ما استطعنا البناء عليه سيشكل بداية لاستنهاض جديد لقوانا ولحلفائنا وأصدقائنا في كل مكان، ليس فقط لفرض العزلة على إسرائيل وملاحقتها أمام المحاكم الدولية، وإنما لفرض حق شعبنا بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية على الاجندة الدولية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى