نقاط ضعف عدونا وعناصر قوتنا؟
بقلم: خليل حمد
أظهرت الأحداث الأخيرة في المنطقة أن “إسرائيل” تمتلك أقوى عتاد عسكري اقليميا، واختراقاً تكنولوجياً كبيراً، مكنها من تحقيق مكاسب لا يُستهان بها في المواجهة الأخيرة الدائرة.
ذكر المكاسب الإسرائيلية هنا يدخل في إطار توصيف الوضع كي نعرف موقعنا في خريطة الشكل الجديد للمنطقة ما بعد انقشاع غبار الحرب، وهو أمر نعيش مخاضه في هذه الأيام، ومن هنا فإن التوصيف “مكاسب إسرائيلية” يبدو عادلاً، فلا فيه إنكار لواقع أن ما حدث ويحدث يُعتبر يوماً على المنطقة ومع تل أبيب، ولا فيه مبالغة تقول إن المواجهة انتهت وإننا خسرنا كل أوراقنا.
ونسأل هنا: متى وكيف وصلت “إسرائيل” إلى هذا التطور التكنولوجي والعتاد الذي مكَّنها ويمكِّنها من تنفيذ حرب الإبادة الجماعية بضغطة زر؟!
الجواب يكمن في الغرب وواشنطن، وليس منذ سنة أو اثنتين، بل منذ ستة وسبعين عاماً. في العام 1948، تعهدت الولايات المتحدة وحلف الناتو بأن تكون أسلحة “إسرائيل” أكثر تطوراً وفتكاً من أسلحة العرب مجتمعين، بل ومن أسلحة دول المنطقة غير العربية أيضاً.
بناء عليه، تفتح الولايات المتحدة كل مخازن سلاحها وشركات الصناعات العسكرية لديها لتلبية الرغبة الإسرائيلية بأحدث أنواع القنابل والقذائف والصواريخ والمجنزرات والطائرات، فيما تضع الولايات المتحدة شروطاً وتعطل بعض المزايا القتالية لكل الأسلحة التي توردها إلى الدول التي تدور في فلكها في المنطقة، بعبارة أخرى: “ممنوع أن تمتلك أي دولة سلاحاً يمكنها من إزعاج تل أبيب ولو معنوياً”، حتى لو كانت هذه الدول قد وقعت اتفاقيات “سلام” مع تل أبيب.
السياسة الأمريكية الثابتة أن تحافظ تل أبيب على تفوق عسكري يمكِّنها –في لحظة جنون ربما- من مسح 200 مدينة عربية متى شاءت. برأي واشنطن إن هذا كفيل بضمان بقاء واستمرار وجود “إسرائيل” كقاعدة متقدمة للاستعمار العالمي في المنطقة العربية، وضمان قدرتها على أداء دورها الوظيفي.
ولأجل ضمان هذا التفوق أيضاً، سخّرت واشنطن كل إمكانات “الذكاء الاصطناعي” لخدمة “إسرائيل”، عن طريق فتح مخازن المعلومات أيضاً لشركات التكنولوجيا الإسرائيلية، المرتبطة ارتباطاً عضوياً بالموساد، وصولاً إلى حصول تل أبيب على ما تريده من معلومات عن أي شخص يمتلك “هاتفاً ذكياً” في العالم، والقدرة على اصطفاء المعلومات أوتوماتيكياً بحيث تحدد من يشكل “خطراً” على “إسرائيل”، وتراقبه وصولاً إلى استهدافه بشتى الوسائل، من القمع إلى القتل وما بينهما.
و”الخطر” هنا مفهومه لدى الإسرائيليين بسيط جداً: “كل من يفكر باستعادة حقوقه المشروعة يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل”. بهذا المعنى البسيط، تمارس تل أبيب كامل جرائمها بحق الفلسطينيين، معتقدة أنها فرضت سطوتها على المنطقة عموماً.
هي نقطة قوة “إسرائيلية” لا شك، تضاف إلى مجموعة من نقاط القوة الأخرى، أبرزها الدعم الغربي اللا محدود لتل أبيب، أمنياً بملاحقة كل من يقف ضد الكيان في العالم، واقتصادياً بشركات متعددة الجنسيات تصب مصالحها في خدمة تل أبيب، ومالياً عن طريق استمرار تمويل حروب “إسرائيل” المستمرة، وسياسياً بمنع إدانة هذا الكيان أو حتى توصيف جرائمه دولياً، وإعلامياً بإعلاء السردية الإسرائيلية حول ما جرى تاريخياً في فلسطين، وما يجري حالياً.
قد يبدو للقارئ أننا نسلِّم بنقاط القوة الإسرائيلية دون أن يكون لنا نقاط قوة خاصة بنا، تمكننا من الاستمرار في المواجهة وصولاً إلى إحقاق حقوقنا المشروعة، وهذا غير صحيح. في نقاط قوتنا العديدة كثير من الكلام، لكن أبرزها الانتماء. انظروا إلى المفارقة البسيطة، شباب إسرائيلي يحمل جنسيتين في معظمه، ولا يريد العيش في بلاد ليست “أرض اللبن والعسل”، في المقابل يوجد جيل فلسطيني يعرف حقيقة ما جرى، منذ سلب الأرض إلى التوسع والاستيطان والقمع والإبادة. صغارنا مدركون أكثر فأكثر لطبيعة حقوقهم ويجترحون حلولاً لتحصيلها، حلول لا تستطيع كل تكنولوجيا العالم أن توقفها. من سيمنع فلسطينياً أن يرفع علمه ويتحدث عن قضيته في احتفال بتخرجه من أهم جامعات العالم؟ أي تكنولوجيا ستحول دون حفل موسيقي يغني فيه إنسان حقيقي عن مظلومية شعب بأكمله في وجه أطول احتلال في التاريخ؟
في نقاط قوتنا قوانين دولية اعترفت بالحق الفلسطيني، قوانين وإن لم تُطبّق اليوم إلا أنها حتماً ستأخذ سبيلها للتطبيق، وليس ما يجري في المحكمتين الجنائية الدولية والعدل الدولية إلا جزء من فرض تطبيق شيء من القوانين التي أعطت الحق لأصحابه. هذا يحتاج طبعاً إلى إعادة صياغة ديبلوماسية فلسطينية قوية تستغل ظروف الكيان “من جرائم أو انكسارات” كي ترغم العالم على إجبار تل أبيب لتنفيذ قرارات أجمع عليها العالم عبر الأمم المتحدة.
في نقاط قوتنا أيضاً افتضاح هذا العدو أمام شعوب العالم، وشعوب الغرب تحديداً بعد مجازر الإبادة الجماعية المستمرة منذ عام في قطاع غزة، والعدوان الآثم على لبنان الشقيق، بما يجعل موقف عدونا أضعف، وبنتيجة حتمية يجعل موقفنا وسرديتنا أقوى بكثير مما كانت عليه يوماً.
أما وأنّ هذا العدو قد تجبّر وتكبّر، فيجب علينا حتمياً الاعتماد على نقاط قوتنا وتعزيزها، فالحرب لا تُكتسب بالمعارك العسكرية فقط، حرب الوعي والثقافة والإعلام هي السلاح الأقوى والأبعد تأثيراً، وفي هذا أمامنا فرصة كبيرة لتقليل الفجوة بيننا وبينهم، بل والانتصار عليهم في إحقاق حقوقنا وإقامة دولتنا الفلسطينية العتيدة، طال الزمن أم قصُر.