نتنياهو يستغل الفرص لتغيير وجه المنطقة
بقلم: د. فريد اسماعيل
من المعروف عن رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو قدرته على استغلال الذرائع وتحويلها إلى فرص لتحقيق أهدافه. لذلك لم يكن مستغربا أن يتمكن من تنصيب نفسه مايسترو في مسرحية المفاوضات حول غزة معززا موقفه السياسي ومستخدما أقرب حلفاءه وشركاءه كلاعبين اساسيين في هذه المسرحية محددا لهم دور ” الوسيط” في الوقت الضائع بين نهاية ولاية بايدن والانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة. فنتنياهو، لا يمر شيء إلا ويستغله ويستثمر فيه داخليا وخارجيا. وهكذا تعاطى حتى مع جائحة كورونا باعتبارها فرصة لتغطي مجالات أولها تصميمه على الاستمرار في منصبه كرئيس للحكومة، والمجال الثاني صد محاولات عرضه على القضاء بتهم الفساد والرشوة. والثالث محاولته تمرير خطته بشأن قضم مزيد من الأراضي الفلسطينية، ومنذ ذلك الوقت كان يبحث عن فرصة لتغيير الواقع في الشرق الأوسط، وهذا ما عبر عنه في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ يعتقد أن الظروف أصبحت ملائمة الآن للشروع في تحقيق هذا الهدف.
وإذا ما عدنا سنة واحدة إلى الوراء، فقد استثمرت حكومة الاحتلال ونتنياهو في عملية السابع من أكتوبر لشن حرب إبادة وتطهير عرقي على شعبنا في قطاع غزة والضفة والقدس، باعتبارها فرصة لحسم الصراع وإنهاء الوجود الفلسطيني وتصفية قضيتنا الوطنية، وبعد مرور سنة على هذه الحرب التدميرية والتي حولت معظم قطاع غزة إلى مناطق غير قابلة للحياة، يتهرب نتنياهو من أي طرح أو رؤية أو التزام أو حتى اي نقاش حول اليوم التالي للحرب مستخدما بوابة التصعيد الحالي الخطير مع لبنان، والذي أثر بشكل كبير على جهود الوساطة لإنهاء الحرب على غزة، حيث تراجعت احتمالات التوصل إلى اتفاق لوقف اطلاق النار. والأخطر في هذا الموضوع أن التصعيد مع لبنان قد لفت الأنظار بعيدا عن معاناة أهلنا في غزة والضفة حيث تحول الإهتمام السياسي والإعلامي إلى لبنان، مع العلم أن حرب الإبادة على شعبنا لم تهدأ وتيرتها، بل يستمر القصف والقتل الجماعي اليومي في الأحياء والمدارس ومختلف أماكن النزوح، مع استمرار دولة الاحتلال في تصعيد اجراءات محاولات الضم والتغيير الديمغرافي والتطهير العرقي في الضفة. بل واغراقها بالدم من خلال استخدام الطيران الحربي في التدمير والقتل الجماعي كما حصل مؤخرا في طولكرم.
يعتقد البعض، وخاصة ممن ينتمون إلى ما يسمى بمحور الممانعة، أن الصراع في لبنان قد يساعد في إنهاء الحرب على غزة، وأن اندلاع حرب إقليمية يمكن أن يؤدي إلى الضغط على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق على حد قول سامي أبو زهري. لكن غالبية المحللين والمسؤولين من الدول التي تضطلع بدور الوساطة، يشككون في ذلك. فمع تحول الاهتمام إلى لبنان فإن أمد الحرب على غزة قد يطول، حسبما قال أشرف أبو الهول مدير تحرير صحيفة الأهرام المملوكة للدولة في مصر، المشاركة في جهود الوساطة، بل حذر من أن ” الأخطر من كل ذلك ليس في كون التركيز الإعلامي قد انتقل إلى مكان آخر، ولكن في حقيقة أنه لا يوجد أحد اليوم يتحدث عن صفقة، وهذا يمنح إسرائيل الحرية لاستكمال تنفيذ مخططاتها في قطاع غزة”.
كذلك فإن أهلنا في قطاع غزة يبدون ذات التخوف، فقد قالت إحدى الامهات التي تعيش في خيمة في دير البلح وهي أم لخمسة أبناء ” إحنا حاسين بللي بيمروا فيه أهل لبنان وما بدنا اياهم يعيشوا الدمار والمعاناة اللي إحنا عايشينها، لكن عندي تخوف من إنه العالم ما عاد مهتم باللي بيصير عندنا هنا”.
يتساءل البعض لماذا يعمل نتنياهو ودولة الاحتلال على تأجيج الصراع مع لبنان في هذا الوقت بالذات، بعد أن أجهض كل محاولات التسوية. يناور ويماطل لاستكمال حربه في غزة، ويغير مسار المواجهة مع لبنان. فبعد أن استثمر نتنياهو في أحداث السابع من أكتوبر لفتح حرب وحشية على أرضنا وشعبنا الفلسطيني في محاولة لحسم الصراع، استثمر أيضأ في جبهة المشاغلة في الشمال محولا الذريعة إلى فرصة للانقضاض على لبنان لتغيير كل قواعد اللعبة وفرض واقع جديد، وربما في ذهنه أن ينتج المزيد من الحروب، ومحاولا استدراج القوى الإقليمية والدولية إلى جانبه خاصة بعد اعلاناته المتكررة حول مواجهة ايران لا سيما بعد الهجمة الصاروخية الإيرانية الأخيرة على إسرائيل. فبالنسبة له ولحكومته، فإن العمليات الأساسية والكبيرة في غزة قد انتهت فعليا، إلا أن تعطشه هو وأرباب حكومته للدم الفلسطيني وعدم رغبته في الانتقال إلى اليوم التالي ، يدفعه إلى إطالة أمد تلك الحرب. هذا الوضع سمح له بنقل معظم قواته إلى الشمال ليطلق مسارا جديدا بتوسيع دائرة الحرب. ويبدو أن هذا المسار كان راسخا في مخططاته منذ الثامن من أكتوبر، متذرعا بالخطر المحدق بكيانه من خلال جبهة المشاغلة والاسناد، وبالتالي تحويل تلك المشاغلة إلى فرصة للانقضاض على لبنان، مستفيدا من دعم رسمي وشعبي داخلي كبير على نقيض ما كان يتعرض له من ضغوط في حربه على غزة بسبب ما يسمونه” الرهائن “، ومستندا إلى دعم أمريكي وغربي، متحصنا بهدف عودة النازحين وفرض الأمن المستدام.
إن تسلسل التصاعد الكبير في الضربات التي ينفذها جيش الاحتلال في لبنان وصولا إلى عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وهي الضربة الكبرى على مستوى المنطقة والتي يريد نتنياهو استثمارها لصالحه، يشير إلى أنه لا يمكن لإسرائيل أن تنفذ كل هذه العمليات بدون الحصول على غطاء دولي وامريكي بالتحديد. ومن أقدم على هذا الارهاب لن يتوقف عند هذا الحد ، بل سيقوم باستدراج حروب جديدة ومحاولة للقضاء على أي فرصة تفاوضية بين إيران والولايات المتحدة، وتعميم دائرة الحرب في محاولة لتغيير وجه المنطقة وإنتاج نظام إقليمي جديد رفع نتنياهو إحدى صوره في الأمم المتحدة مقارنا بين خريطة ” النعمة” الإسرائيلية وخريطة ” اللعنة” الإيرانية. هو نظام إقليمي عموده الفقري إسرائيل، يلغي ما كان يسمى سابقا بالنظام العربي. ليقضي بع على القضية الفلسطينية حيث لا وجود لشيء إسمه دولة فلسطين على خارطة نعمته، بل ربط للدول العربية بإسرائيل وبدورها المركزي.
إن تجاوز إسرائيل لكل الخطوط الحمر من خلال اغتيالها لقيادات الصف الأول وصولا إلى السيد حسن نصر الله وما يحمله من رمزية، ينقل المنطقة إلى مرحلة جديدة من الحرب، ربما لا تزال في بداياتها، بالتوازي تتصارع المشاريع الإقليمية والدولية لرسم خارطة الشرق الأوسط الجديد. والمهم أن نحسن توجيه بوصلة نضالنا الوطني حتى لا تكون فلسطين هي الضحية.