أشكال النضال بين الشعبوي والعملي
بقلم: حسني شيلو
تتعدد أشكال نضال الشعب الواقعة تحت الاحتلال وفقا للظروف الموضوعية والذاتية الملموسة، بهدف جعل فاتورة الاحتلال باهظة وايقاع الخسائر لدولة الاحتلال عبر جبهات ومعارك متعددة، بضمنها الكفاح المسلح وهو الشكل العسكري غير الوحيد في الحالة الفلسطينية وان كان الأكثر شعبية كونه يلامس العاطفة في ظل احتلال يمارس أبشع الجرائم ونظام دولي منافق ومنحاز لدولة الاحتلال بصفتها ذراعه الاستعماري في المنطقة.
وفي خضم المعركة ولأسباب لا نود في هذا المقام الخوض فيها، يقلل البعض من قيمة واهمية وجدوى النضال الدبلوماسي والسياسي الذي تقوده القيادة الفلسطينية في المحافل الدولية المعبر عنه نجاحه بالاعترافات الدولية بدولة فلسطين و الانضمام للمنظمات الدولية المتخصصة والنضال المستمر في اروقة الأمم المتحدة للحصول على العضوية الكاملة في الهيئة الاممية، أو تجسيد الدولة تحت الاحتلال بإجراءات سياسية واقتصادية، وصولا إلى الإعلان الدستوري وتشكيل مجلس مؤقت يكون في هذه الحالة المجلس المركزي البرلمان المؤقت لدرجة يتم تجاهله او اعتباره قفزة في الهواء.
ولعل جزء من الفهم المشوش يعود الى حقيقة أن كافة أشكال هذا النضال لم ترافقها حملة وطنية واعية تبين أهدافها واثارها على دولة الاحتلال وكذلك على مستوى الاستفادة للمواطن الفلسطيني، على قاعدة الربح والخسارة الوطنية، لتغليب الجانب العقلي على خطاب العاطفة الذي ربما في نطاقه لا يلقى القبول الشعبي رغم الجهد المبذول فيه ولربما يكون أصعب أشكال النضال وأكثرها فعالية في الوقت الراهن ضد دولة الاحتلال.
لقد ادركت جبهة النضال الشعبي الفلسطيني أهمية هذا النضال ، وعقدت ورشة عمل لكادر صفها الأول ناقشت من خلالها ورقتي عمل تقدمت بهم الجبهة كرؤية وطنية لأشكال النضال ضد الاحتلال في إطار تجسيد الدولة الفلسطينية، الأولى تتحدث عن الإجراءات السياسية والسياسات الاقتصادية لتحديد العلاقة مع حكومة الاحتلال ، وذلك انطلاقا من القراءة الواقعية والموضوعية للمتغيرات السياسية الدولية والاقليمية والمحلية ،وبعد التدقيق بالخيارات التي من الممكن أن تتخذها القيادة الفلسطينية ، فمن الأهمية بمكان اتخاذ قرارات واقعية وعملية وملموسة وقابلة للتحقيق، وخطوات تدريجية بنائية لتحديد علاقاتنا مع الاحتلال وصولا لإنهاء الاتفاقيات الانتقالية كافة، بدون الاعلان عن الالغاء او الانهاء ، ولكن عبر فرض سياسات الامر الواقع باتخاذ اجراءات وقرارات عملية تمكنا من الانتقال من السلطة الى تجسيد الدولة استنادا الى حقوقنا الوطنية المشروعة ، المكفولة بالقانون الدولي ، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة .
إن هذه العملية تهدف وقبل كل شيء الى تغيير طبيعة ومضمون ووظيفة السلطة الوطنية الفلسطينية التي نشأت بموجب الاتفاقيات الانتقالية كسلطة ناقلة لشعبنا من الاحتلال إلى الاستقلال، وتمكنا بذات الوقت من تعزيز ركائز ومؤسسات دولة فلسطين، ومكانتها الدولية.
وتستطيع أن تسهم بحشد موقف عربي واسلامي ودولي لدعم واسناد كافة الاجراءات التي نتخذها في المجالات المختلفة.
والثانية مبادئ الإعلان الدستوري، والذي يأتي ليجسد شرعية جديدة للشعب الفلسطيني لتنظيم أموره وفق ما يراه مناسبا ودون رهن هذه الارادة باعتراف الطرف الاسرائيلي، والاتجاه هو لوضع دستور مؤقت مكتوب ينظم السلطة ويسندها الى ارادة الشعب لا الى الاتفاقيات، وكثير من دول العالم قد أصدرت دستورها في ظل الاحتلال كالأردن وليبيا وماليزيا وكانت تؤسس لدولة، وهناك كثير من القيود على الحقوق والحريات في الموروث الدستوري والقانوني الفلسطيني، كقوانين الطوارىء التي يمكن التخلص منها بدستور مؤقت ينص على توسيع الحقوق والحريات بالاستناد على المواثيق والمعاهدات الدولية التي نظمت حقوق وحريات، هذا الامر لا يكفي اعلان دستوري لتحقيقه والسلطة تحتاج الان الى مأسسة دستورية لتجسيد هذا التغيير في الواقع الذي انهى عمليا اتفاقية أوسلو وفرض مشروعية جديدة للشعب الفلسطيني تجسيدا لقرارات الامم المتحدة باعتبار الشعب الفلسطيني شعب له الحق في تقرير مصيره.
ويأتي ذلك من أجل تصليب الموقف للانتقال من ضغط الارادة الخارجية الى ارادة الشعب الفلسطيني.
وخلاصة القول، ان الأفكار كما البضاعة بحاجة إلى التسويق الجيد، وخصوصا في ظل حساسية وخطورة لحادة التي تمر بها قضية شعبنا، وهذا يتطلب بدوره التحضير الجيد لإطلاق حملة مجتمعية وطنية لتسليح القاعدة الجماهيرية الأوسع بأهمية وتكاملية وجدوى هذا الشكل النضالي ومردوده الوطني.