اتفاق وقف إطلاق النار وعقدة محور “فيلادلفي”
بقلم: د. أحمد مجدلاني
بات واضحا لكل عاقل وذي عين بصيرة ان ما يسمى بالمفاوضات المتنقلة ما بين الدوحة والقاهرة وصولا لوقف إطلاق النار والانسحاب وتبادل الاسرى والمحتجزين، امرا غير قابل للتحقيق في المدى المنظور ان لم نقل ان هذه العملية قد ترحل لما بعد اتضاح نتائج الانتخابات الامريكية التي يعول عليها نتنياهو كثيرا ويأمل بعودة حليفه ترامب الى السلطة مع مشروعه القديم الجديد المسمى بصفقة القرن، بالطبع بعد ان جرت مياه كثيرة بالمنطقة والعالم تضع علامات استفهام كبيرة على عودة هذا الخيار.
لكن المقروء والملموس ان نتنياهو يضع العقبات والعراقيل ويستنبط شروط جديدة عشية كل جولة مفاوضات تجعل من امكانية الموافقة عليها من قبل حماس بما في ذلك الوسيط المصري والقطري غير ممكنا، طبعا باستثناء الشريك الأمريكي الذي يسوق مطالب نتنياهو ويعيد صياغتها ويقدمها كحلول وسط كما فعل بالجولة الأخيرة بالدوحة.
إصرار نتنياهو على البقاء بمحور فلدلفي ورفضه للانسحاب منه لا يضع عقبة امام المفاوضات الجارية فقط، ولتحميل حماس تاليا مسؤولية فشل المفاوضات، وإنما ينتهك اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر بوجود قواته على الحدود المصرية ويستفز القيادة المصرية بتصريحاته الوقحة والتضليل الإعلامي المرافق لها مما اضطر القيادة المصرية للرد عليه بقسوة، وربما ينتقل التراشق الأعلامي لأبعد من ذلك ليتحول الى تراشق امني، هذا اذا ما اخذنا بعين الاعتبار الموقف الأردني الذي عبر عنه وزير الخارجية الأردن الذي اعتبر سياسية التهجير القسري للفلسطينيين بالضفة الغربية بمثابة اعلان حرب على الأردن.
هدف نتنياهو معروف ولديه من الاعتبارات الداخلية ، بالحفاظ على ائتلافه الحكومي وخشيته من تفككه واضطراره لانتخابات مبكرة قد تطيح به وبائتلافه لكن الأهم تضعه عرضه للمسألة والمحاسبة على التقصير بحرب السابع من أكتوبر وقضايا الفساد التي تنتظره امام القضاء بالمحاكم الإسرائيلية.
اما “الوسيط” أو الشريك الأمريكي وهو التوصيف الأكثر دقة للدور الأمريكي فهو كما اشرنا علاوة على تقديمه الدعم العسكري والمالي غير المحدود، وتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي لنتنياهو وحكومته، ولا يستخدم أوراق الضغط الكثيرة التي يملكها لوقف الحرب وسحب إسرائيل لقواتها من غزة او على الأقل بالمرحلة الأولى من معبر صلاح الدين المتعارف عليه بمعبر “فيلادلفيا”، لاعتبارات تتعلق بالحملة الانتخابية الرئاسية وحرص الحزب الديمقراطي بما في ذلك مرشحته البديلة هاريس عن استمرار نهج بايدن في تقديم الدعم لإسرائيل مع محاولة الحفاظ على أجواء ومناخات استمرار المفاوضات وان الإدارة الامريكية تبذل جهودها لوقف اطلاق النار وتبادل الاسرى وعودة الرهائن الامريكيين الذين يحملون الجنسية المزدوجة باعتبار ذلك إنجازا يساعد حملة هاريس الانتخابية.
كلا الطرفين الإدارة الامريكية تدرك انها لا تريد وليس لأنها لا تستطيع الضغط على نتنياهو ولذلك تسعى للحفاظ على الانطباع لدى الرأي العام الأمريكي بأنها تبذل جهدا وذلك لاحتواء غضب التيار التقدمي وأنصار الحق الفلسطيني سواء بالحزب الديمقراطي او بالمجتمع الأمريكي، اما نتنياهو فإنه يناور أيضا من جهة أخرى لشراء الوقت وصولا للانتخابات الامريكية، وبذات الوقت لا يريد ان يعطي حملة الحزب الديمقراطي ورقة رابحة بإطلاق سراح المحتجزين على حساب حليفه وشريكه ترامب.
التزامن ما بين الإعلان عن تعيين حاكم عسكري ومسؤول للشؤون المدنية لقطاع غزة، وإفشال المفاوضات، وبدأ الحرب المفتوحة على الضفة الغربية يعيد الى الذاكرة حملة السور الواقي التي قادها شارون عام 2002 واستهدفت مقررات السلطة الوطنية الفلسطينية العسكرية والمدنية وتدمير البنية التحتية بالضفة الغربية، وحصار الرئيس ياسر عرفات الذي انتهى باغتياله.
لا يعنى سوى شيء واحد ان حل الدولتين المتفق علية دوليا والذي ازداد الاجماع عليه بعد حرب الإبادة على قطاع غزة والتدمير الممنهج بالضفة الغربية والقدس الشرقية، قد شطب من اجندة الحكومة الإسرائيلية وان تصويت الكنيست لا دولة فلسطينية الى جانب إسرائيل هو الحل النهائي الذي على اجندة نتنياهو وفريقه الحاكم، بانتظار ان يأتي الشريك والحليف ترامب ليجسد بإحياء مشروعه القديم الجديد صفقة القرن وفي الجوهر منه التطبيع مع السعودية بدون ثمن فلسطيني، ولا كلفة على أميركا ولتكريس حلف إقليمي يدمج إسرائيل بالنظام الإقليمي العربي في مواجهة واحتواء “الخطر الإيراني” .
السؤال الأهم هل من إمكانية لمواجهة هذا العبث والمخططات التدميرية، طبعا بدون شك الامكانيات كامنة وموجودة، وربما نقطة الانطلاقة فيها نهاية الانقسام والتسليم بالنظام السياسي الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وربما تشكل اليوم مبادرة الرئيس محمود عباس بالتوجه الى قطاع غزة على راس القيادة الفلسطينية المدخل الصحيح لإعادة بناء الاستراتيجية السياسية الوطنية.
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الأمين العام لجبهة النضال الشعبي
نضال الشعب