هل استعادت إسرائيل السيطرة على بعض مناطق “ب” في الضفة
هل استعادت إسرائيل السيطرة على بعض مناطق “ب” في الضفة الغربية؟
(قراءة في قرار الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 28 حزيران 2024)
بقلم: وليد حباس
بتاريخ 28 حزيران 2024، قررت الحكومة الإسرائيلية (من خلال مجلس الكابينيت) سحب صلاحيات الإنفاذ من السلطة الفلسطينية في صحراء القدس (وهي في منطقة “ب”) والشروع بإجراءات هدم “البناء الفلسطيني المتنامي” هناك. بحسب اتفاقيات أوسلو، فإن صلاحيات الإنفاذ، والبناء، والتخطيط، وكل ما يتعلق بالشؤون الإدارية للسكان في المنطقة “ب”، هي من صلاحيات السلطة الفلسطينية. يعتبر هذا قراراً آخر، لكنه الأهم، في سياق سحب الصلاحيات من السلطة الفلسطينية و”استعادة” تدريجية للسيادة الإسرائيلية على مناطق تم نقلها إلى الحكم الذاتي الفلسطيني في سياق اتفاقيات أوسلو.
على حسابها على التلغرام، نشرت منظمة “ريغافيم” الاستيطانية (التي أسسها الوزير بتسلئيل سموتريتش وهي تعمل بجهد حثيث على محاربة “التوسع” الفلسطيني في الضفة الغربية)، تهنئة إلى مجتمع المستوطنين بعد قرار الكابينيت الإسرائيلي بتاريخ 28 حزيران 2024، وقالت: “لقد أبلغونا هذه الليلة بسلسلة من الخطوات المهمة لتعزيز الاستيطان والحكم في يهودا والسامرة وتعزيز صمود دولة إسرائيل في مواجهة [الفلسطينيين] الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بها. إلى جانب المصادقة على [تسوية أوضاع] خمس [مستوطنات جديدة] في يهودا والسامرة، اتخذت الحكومة القرار المهم باستعادة المسؤولية عن صحراء [القدس] من السلطة الفلسطينية ووضعها [مجدداً] تحت مسؤولية دولة إسرائيل”.
ما هي صحراء القدس؟
هي الصحراء التي تمتد بين بيت ساحور ونهر الأردن، إلى الشرق من القدس. ويقدر طولها بحوالى 85 كم وعرضها بحوالى 25 كم، ويصل ارتفاعها في أعلى قمة منها (عند بلدة بني نعيم) إلى حوالى 970 متراً فوق سطح البحر. في صحراء القدس، ثمة 19 جدول مياه (أهمها وادي القلط ووادي السيال). بالإضافة إلى ذلك، تحتوي الصحراء على 5 مغر كبرى أثرية وحوالى 5 مواقع تراثية (أهمها قلعة هوريديون). لا توجد أسماء فلسطينية لمعظم هذه الجداول والمغر، حيث أن لجنة بريطانية بدأت بتصنيف هذه المناطق وتسميتها تحت الحكم الأردني ابتداء من العام 1964 ولم تكمل المشروع بسبب اندلاع حرب العام 1967.
لمن تؤول الصلاحيات على صحراء القدس؟
في اتفاقيات أوسلو للعام 1995، تم تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق هي منطقة “ج” تحت سيادة أمنية وإدارية إسرائيلية، ومنطقة “ب” تحت سلطة إدارة فلسطينية وسلطة أمنية إسرائيلية، ومنطقة “أ” تحت السلطة الإدارية والأمنية الفلسطينية.
اتفاقيات أوسلو الثانية
1995 |
اتفاقيات واي ريفير
1998 |
|
مساحة المنطقة أ | 3٪ | 18٪ |
مساحة المنطقة ب | 25٪ | 21٪ (بشرط أن يكون 3٪ من المنطقة “ب” محميات طبيعية) |
مساحة المنطقة ج | 72٪ | 61٪ |
وبحسب دينيس روس، المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط الذي أشرف على مفاوضات واي ريفير تحت إدارة بيل كلينتون، فقد كان بحوزة السلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو الثانية (1995) حوالى 28٪ من مساحة الضفة الغربية (أنظر/ي الجدول: 28٪ مقسمة إلى 3٪ منطقة “أ” وحوالى 25٪ منطقة “ب”). ونشب خلاف بين الوفد الفلسطيني والوفد الإسرائيلي حول المساحة الأخرى التي تنوي إسرائيل نقلها إلى السلطة الفلسطينية في مفاوضات واي ريفير (1998). بينما وعد نتنياهو في البداية بنقل حوالى 13٪ من الضفة الغربية إلى السلطة الفلسطينية، تراجع بعد ذلك وأصر على نقل فقط 11٪ (لترتفع جغرافيا السلطة الفلسطينية من 28٪ إلى حوالى 39٪). وعندما رفض الفلسطينيون الأمر، جاء دينيس روس لفكرة المحميات الطبيعية. حيث نص الاتفاق على أن تنقل إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية حوالي 2-3٪ من مساحة الضفة الغربية لسد الفجوة في الآراء،[i] بحيث أن هذه المناطق الإضافية تكون محميات طبيعية يحق للفلسطينيين إدارتها (وكأنها جزء من مناطق “ب”) بينما لا يحق للفلسطينيين تحويل تصنيفها من محمية طبيعية إلى منطقة بناء أو صناعة أو استخدامها لغير غاياتها التي أقرها الأمر العسكري الإسرائيلي الذي أعلنها محمية طبيعية في وقت سابق على اتفاقيات أوسلو.
ومهما يكن من أمر، فإن جزءاً من صحراء القدس انتقل إلى السلطة الفلسطينية باعتباره منطقة “ب”. في مذكرة واي ريفير، جاء النص التالي: “أبلغ الجانب الفلسطيني أنه سيخصص منطقة بنسبة 3٪ من المنطقة (ب)… كمناطق خضراء و/ أو محميات طبيعية. وأبلغ الجانب الفلسطيني كذلك أنه سيتصرف وفقا للمعايير العلمية المعمول بها، وبالتالي لن تكون هناك تغييرات في وضع هذه المناطق، ولن يكون هناك مساس بحقوق السكان الموجودين في هذه المناطق، بمن فيهم البدو؛ في حين أن هذه المعايير لا تسمح بالبناء الجديد في هذه المناطق، لكن يمكن صيانة الطرق والمباني القائمة. وسيحتفظ الجانب الإسرائيلي في هذه المناطق الخضراء/ المحميات الطبيعية بالمسؤولية الأمنية العليا لغرض حماية الإسرائيليين ومواجهة “خطر الإرهاب”. يمكن تنفيذ أنشطة وتحركات قوات الشرطة الفلسطينية بعد التنسيق. وسيستجيب الجانب الإسرائيلي لهذه الطلبات على وجه السرعة”.[ii]
وعليه، لا يحق حسب الاتفاقيات للإدارة المدنية أن تفرض سلطتها على هذا الجزء من صحراء القدس الذي تحول إلى المنطقة “ب”، بينما أنه كان لدى السلطة الفلسطينية كامل الصلاحيات لتحويلها إلى منطقة سياحية أو الاحتفاظ بها كمحمية طبيعية حسب الاتفاقيات.
ماذا حصل في صحراء القدس بعد توقيع اتفاقية واي ريفير؟
حسب تقرير نشرته منظمة “ريغافيم” من العام 2009، فإن السلطة الفلسطينية شرعت بالفعل ببناء منازل متفرقة، ومبان، في صحراء القدس. وتدعي وثيقة “ريغافيم” أن هذا البناء يأتي كجزء من “خطة [سلام] فياض” لتوسيع البناء الفلسطيني في الضفة الغربية وخلق واقع جديد. لكن في المقابل، أظهرت صور جوية نشرها التقرير نفسه بأن الفلسطينيين (خصوصا المستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب الكسارات)، بدأوا بشكل عشوائي وبدون الرجوع إلى السلطة الفلسطينية، بتحويل المنطقة إلى مكب نفايات. في هذه المنطقة، ثمة مناشر، ومحاجر، وطرق ترابية استحدثها الفلسطينيون، ومكبات نفايات عشوائية، ومحارق. ومنظمة “ريغافيم” التي أعدت هذا التقرير، هي منظمة يمينية استيطانية، أسسها بتسلئيل سموتريتش (الذي أصبح وزيرا ثانيا في وزارة الدفاع) ويهودا إلياهو (وهو مستوطن متطرف أصبح مدير دائرة الاستيطان في وزارة سموتريتش)، وتعمل على محاربة البناء الفلسطيني، وتهويد الضفة الغربية، وإنهاء اتفاقيات أوسلو، ومنذ العام 2018 تقلد العديد من كادراتها مناصب مفتاحية في الدولة العميقة وباتوا صناع قرار في ما يخص مستقبل الضفة الغربية. وحسب ادعاء المنظمة، فإن البدو الفلسطينيين في المكان اشتكوا للإسرائيليين بعد قيام الفلسطينيين ببناء مصنع إسمنت في منطقة عرب الرشايدة إلى الشرق من منطقة الشيوخ، بحجة أن المصنع يضر بنمط حياتهم البدوي. وتدعي “ريغافيم” أنه بحلول العام 2020، تم بناء أكثر من 500 مبنى في المحمية، وبحلول العام 2022، تم بناء ما مجموعه حوالى 2000 مبنى غير قانوني. هذه الادعاءات التي لا تستند إلى أدلة موثوقة، تسللت إلى نقاشات الحكومات الإسرائيلية، وتحولت إلى قضية أساسية عند مناقشة العقوبات بحق السلطة الفلسطينية.
وصلت النقاشات داخل الحكومات الإسرائيلية حول صحراء القدس ذروة جديدة في صيف 2023 حيث عقدت لجنة الخارجية والأمن البرلمانية في الكنيست الإسرائيلي جلسة خاصة لوضع خطة لمواجهة ما سماه المجتمعون “سيطرة السلطة الفلسطينية على المناطق المفتوحة في الضفة الغربية، والرد الإسرائيلي على ذلك”. وفي الجلسة، اقترح سموتريتش إدراج أفعال السلطة الفلسطينية تحت بند “أعمال سياسية معادية”، وطالب ببلورة خطة وطنية صهيونية لضبط الأمور. وفي مقالة تم نشرها في المشهد الإسرائيلي (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار)، بتاريخ 7 آب 2023، تمت الإشارة إلى نية إسرائيل اتخاذ خطوات في اتجاه إنهاء اتفاقيات أوسلو، أو على الأقل “استعادة” بعض مناطق “ب” من السلطة الفلسطينية، في إشارة إلى صحراء القدس.[iii]
إلى ماذا يشير قرار الكابينيت الجديد حول صحراء القدس؟
القرار الذي لم يتم نشر نصه الرسمي على موقع الحكومة الإسرائيلية بعد، يشير إلى التالي: 1) سحب صلاحيات الإنفاذ من السلطة الفلسطينية في كل المنطقة المصنفة “ب” والتي آلت إلى السلطة ضمن أراضي صحراء القدس. وصلاحيات الإنفاذ تعني كل ما يتعلق بالبناء والهدم، بحيث أن الإدارة المدنية (التي يشغل منصب نائب رئيسها المستوطن المتطرف هيلل روط) تستطيع أن تشرع بمحاكمة كل بناء فلسطيني على حدة، وتنفيذ عمليات هدم، وإزالة للمنشآت والمصانع الفلسطينية من المكان، ومعاقبة أو تغريم أصحاب الكسارات وكل من يثبت أنه ألقى نفايات في المكان. ولا يعني الإنفاذ أن الإدارة المدنية تستطيع أن تشرع بالتخطيط وبناء بنى تحتية يهودية.
لكن الأمر يتعلق، بعد اتخاذ هذا القرار، بالمستويات التي يتم بواسطتها تنفيذ القرار على أرض الواقع: القيادة الوسطى للجيش والإدارة المدنية. ومن المنتظر أن يترك قائد المنطقة الوسطى في الجيش منصبه بحلول آب 2024، ومن المرجح أن يحل مكانه عقيد آخر على مقربة أكثر من المستوطنين وعمليات التهويد. في هذه الحالة، ستشهد صحراء القدس حملة هدم واسعة وممنهجة، وستشرف عليها منظمات المستوطنين اليمينية التي عادة ما تقدم البيانات والمعلومات للجيش في مثل هذه الحالات.
غير أن القرار الحكومي الجديد لم يشر إلى صحراء القدس فحسب، بل إنه أيضاً منح الإدارة المدنية تخويلاً ببدء “الإنفاذ” في ما يتعلق بالبناء الفلسطيني في كل المناطق “ب” والتي لا تتوفر على رخص بناء، أو أنها مطلة بشكل “غير مرغوب” على المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لها.
المشهد الاسرائيلي – مركز مدار