هل من صفقة تهدئة جديدة بالأفق

بقلم: د. أحمد مجدلاني
أنعشت الآمال مؤخرا تصريحات صدرت عن ويتكوف مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط، وكذلك الرئيس ترامب، عن تقدم ملموس بشأن التهدئة ووقف إطلاق النار في غزة، بعد اندلاع موجة القتل بالجملة والمجان التي أطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي مع رئيس اركانه الجديد التي وجدها فرصة لإثبات الفرق بينه وبين رئيس الأركان السابق بأنه أكثر قدرة من سابقه باستخدام قوة النيران للأسلحة الأمريكية الفتاكة التي يمتلكها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
تصريحات ترامب وويتكوف، اوحت بأن المبادرة الأخيرة التي تقدمت بها الشقيقة مصر كحل وسط ما بين مبادرة ويتكوف السابقة، ورفض حماس لها ومن ثم المرونة التي ابدتها قيادة حركة حماس في زيارة وفدها مؤخرا للقاهرة جعلت أنه من الممكن الحديث عن أفق جديد لوقف إطلاق النار وتهدئة وتبادل للأسرى والمحتجزين لم يجري الحديث عن نسبتهم، وكذلك بإجراءات أخرى تعيد الوضع عما كان عليه قبل الثامن عشر من مارس آذار السابق وصولا للحديث عن البدء بتطبيق المرحلة الثانية من اتفاق 16 يناير السابق بانسحاب إسرائيلي شامل من قطاع غزة.
وقبل الحديث عن إمكانية وجود أفق لصفقة جديدة نريد توجيه نصيحة لقيادة حركة حماس ألا تقع في المحظور الذي وقعت فيه عدة مرات برفض الصفقة ومن ثم تعود لذات الصفقة بشروط أصعب من الأولى مضافا عليها خسائر يدفع ثمنها المواطن الغزي من لحمه ودمه ومقدراته الاقتصادية والمادية.
وربما تجربة الصفقة الأخيرة التي رفضت، وكانت هدية لنتنياهو لتصعيد العدوان، وتمرير الموازنة، وإعادة بن غفير للائتلاف الحكومي، وإطلاق يد نتنياهو بعد تعزيز ائتلافه الحكومي بتصفية خصومه في الأمن والقضاء والانقضاض على ما أسماه الدولة العميقة في إسرائيل متماهيا مع ترامب في حملته على القطاع الحكومي لتصفية ما اسماه الدولة العميقة بأمريكا.
التحذير والنصيحة واجبة قبل كل شيء حتى لا يلدغ المؤمن عدة مرات من ذات الجحر، والتكرار لا يعفي من المسؤولية من المرة الأولى للأخيرة.
وإذا ما كانت إشكالية فشل الصفقة الأخيرة الرهان على اطالة أمد التفاوض، بتمديد مدد التبادل لكسب الوقت، لكن السؤال ماذا تريد حركة حماس من كسب الوقت، وهل ما زالت واهمة أنه بإمكانها ضمان عودة دور لاحق لها في غزة إذا فشلت الخيارات الأخرى مثلا.
نعتقد إن هكذا رهان يعبر عن قصور في قراءة المشهد السياسي وهو ذات القصور في قراءة المشهد في رفض الصفقة السابقة انطلاقا من عدم القدرة أو التعامي عما يحدث من تطورات في بنية النظام السياسي في إسرائيل وحاجة نتنياهو لاستمرار الحرب باعتبارها المخرج الوحيد لإنقاذ نفسه من المأزق الذي يواجهه على عدة جبهات داخلية وخارجية آخرها زيارته الفاشلة للولايات المتحدة الأمريكية التي عاد منها خالي الوفاض.
لقد قدمت القيادة الفلسطينية سلما آمنا لقيادة حركة حماس عبر الاشقاء في مصر للنزول عن الشجرة، ولا يقتضي الآمر مواصلة ذات الرهانات لكلفتها المتزايدة يوما بعد يوم، والتي اثبتت حربهم بطوفان الأقصى وما ترتب عليها من كوارث وطنية وإنسانية إنها ستقود إلى مكاسب سوى حصد المزيد من الخسائر والويلات.
النزول عن الشجرة ليس لحماية حركة حماس ودورها اللاحق بإطار الحركة الوطنية الفلسطينية فحسب، وإنما في وقف حرب الإبادة وقطع الطريق أمام حرب التهجير القسري للغزيين من قطاعهم المكلوم، وإعادة احتلاله واقتطاع ربع مساحته كمنطقة آمنة.
الخيار الأقصر والأصوب أن تبلغ حماس الأشقاء الوسطاء بالبحث عن صفقة شاملة ليس فقط للتهدئة وإنما لإنهاء الحرب والتبادل الكل مقابل الكل، وتسليم ما تبقى من سيطرتها الأمنية والمدنية لقطاع غزة للحكومة الفلسطينية لبسط سيطرتها الأمنية والمدنية بدعم عربي ودولي، واتخاذ الترتيبات اللازمة في إطار المبادرة المصرية التي أصبحت عربية للتعافي المبكر ولإعادة اعمار قطاع غزة الذي تستكمل قوات الاحتلال الإسرائيلي تدمير ما تبقى منه مع كل قراءة خاطئة تقع فيها قيادة حركة حماس للمشهد السياسي الإسرائيلي والإقليمي والدولي.
حكومة نتنياهو التي رفضت الخطة المصرية العربية، وجدت في رفض حماس للصفقة بعد القمة فرصة لتدمير مقومات هذه الخطة ووضع اجندة جديدة على طاولة البحث خلقتها القوة العسكرية الغاشمة التي تحظى بالرعاية والغطاء السياسي والدبلوماسي الأمريكي والدعم العسكري غير المحدود.
السؤال الأخير هل تمتلك قيادة حماس الإرادة والشجاعة لاتخاذ الموقف الصحيح باللحظات التاريخية الصعبة وهو الوقت الصحيح لإنقاذ الشعب الفلسطيني وقضيته من الدمار وتبديد منجزاته التي حققها بتضحيات جسام، أم ستواصل طريق من بعدي الطوفان بعد فشل طوفانها في تحقيق أهدافه.