أقلام وآراء

ترامب يشيع أجواء من التفاؤل الخادعة

 

 

بقلم: د. أحمد مجدلاني

 

إعلانات النصر المؤزر التي توج فيها الرئيس ترامب ضرباته الجوية من طائرات الشبح العملاقة للمفاعل النووي الإيراني فوردو، أعطته الأحقية للادعاء بالنصر وبوقف الحرب وبدء مرحلة جديدة في الشرق الوسط، وفي سياق ادعاءات كل طرف (ايران وإسرائيل) بتحقيق النصر والاحتفال به كلا على طريقته، وبما يؤمن لكل منهم جبهته الداخلية وإسكات أصوات المعارضة والمطالبة بالمحاسبة على ما جرى من ويلات وخراب وقتل وتدمير.

ويستطيع كل طرف الادعاء بأنه من حقق الانتصار على الاخر، ويمكنه أن يقدم سلسلة طويلة من الإنجازات التي قامت بها قواته المسلحة وما الحقته بالطرف الآخر من خسائر، إلا أن الحقيقة الماثلة والتي لن تغيب بعد توقف احتفالات النصر هذه، الحصيلة المرة للخسائر التي قد تتطلب سنوات لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.

ورغم أنه من المبكر إلى حد ما تقدير التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الحرب التي اشعلها نتنياهو بالإنابة عن الرئيس ترامب وبالأصالة عن نفسه لتحقيق اهداف شخصية، فهذه التداعيات ربما تحتاج إلى بعض الوقت لتظهر آثارها السلبية وقدرة كل طرف على استيعاب الخسائر واستثمار المكاسب إذا كان هناك مكاسب توازي الخسائر المتحققة.

لكن الرابح الأول من هذه المعركة ترامب الذي خرج منها ليقول أنه انهى الحرب بضربة عسكرية واحدة، وأنه حقق وقف اطلاق النار بمبادرة منه وعبر الوسطاء الإقليميين الذين اسهموا بتأدية دورهم في اخراج المسرحية المكشوفة تمهيدا لوقف اطلاق النار.

ومع أجواء التفاؤل التي اشاعها ترامب عقب توقف هذه الحرب بالعودة إلى مخططه القديم الجديد للسلام الإقليمي أو ما يعرف بالاتفاقيات الإبراهيمية، وإمكانية انخراط ايران في هذا السلام انطلاقا من مصالحها الإقليمية خصوصا أن ليس لديها أراض محتلة ولا اسرى للتفاوض عليهم، ولا حدود متنازع عليها مع إسرائيل، وإن كل ما لديها طيلة الخمسة وأربعين عاما الماضية ترسانة من الوعود والتهديدات بمحو إسرائيل من الوجود، واستخدام وتوظيف الورقة الفلسطينية كما هو الحال بالأوراق الإقليمية الأخرى في سوريا  ولبنان والعراق واليمن.

وبعد أن ذاب الثلج وبان المرج وتبين عدم قدرتها سوى الحاق الأذى بإسرائيل بشكل محدود، واختفاء وانكفاء أذرعها بالمنطقة، فهل هي جاهزة لحل إقليمي تدعي فيه أنها حققت ما عجز الاخرين عنه وهو ربط التطبيع مع إسرائيل بحل الدولتين.

يبدو هذا الخيار غير مستبعدا إذا ما اخذنا بعين الاعتبار قدرة النظام الإيراني على المناورة والبرغماتيه العالية التي يتحلى بها في فكفكه الأزمات التي يواجهها وخصوصا بعد الضربة المتفق عليها لقاعدة العديد بالدوحة التي انزلته عن الشجرة العالية التي صعد عليها.

احتياجات ايران المستقبلية لإعادة الإعمار وعجلة الإنتاج والاندماج بالنظام الاقتصادي العالمي بعد حصار انهك اقتصادها، وشعبها معا طيلة السنوات السابقة، وهو حل غير مكلف للقيادة الإيرانية إذا ما تمت تغطيته ببعض المكاسب للفلسطينيين.

غير أن هذا السيناريو الذي لا يبدو بعيدا عن الواقع، فإن الشريك الآخر نتنياهو الذي مني بخسارة الادعاء بتغيير الشرق الأوسط والعالم أيضا، والانكفاء على وضعه الداخلي الذي انفتح على مصراعيه لوقف الحرب في قطاع غزة، التي استنفذت اغراضها العسكرية منذ زمن بعيد لكنها لم تستنفذ الغرض الأساس الحفاظ على الائتلاف الحكومي.

تنكر نتنياهو ونفيه ادعاءات ترامب بأن التوصل إلى هدنة خلال أسبوع يجري الاستعداد لانجازها، يضعه أمام الاختبار رد المعروف الذي قدمه له ترامب قبل أيام، بتدخله بالنظام القضائي الإسرائيلي ومطالبته بوقف محاكمته أو أن يصدر الرئيس الإسرائيلي العفو عنه.

هذه الخدمة الأخيرة بالتأكيد لن تكون مجانية، وتحتم على نتنياهو التعامل معها عبر اساليبه المعروفة بالمراوغة وشراء الوقت حتى يدخل الكنيست عطلته الصيفية نهاية شهر آب القادم، حتى نهاية أكتوبر، ومع شراء هذا الوقت يستطيع استثماره وتوظيفه بالتوصل إلى اتفاق تهدئة محدود يسقط من حلفائه تهديدهم بحل الحكومة إبان العطلة الصيفية للكنيست.

على الجانب الآخر من المعادلة فإن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هل استخلصت حركة حماس الدروس والعبر من الحرب الإيرانية الإسرائيلية، أم ما زالت مقتنعة بالنصر المبين لقائدة محور المقاومة على إسرائيل خلال حرب الأيام الثلاثة عشرة، وإنها تستطيع توظيف هذا النصر برفع سقف التفاوض لوقف اطلاق النار وضمان عودتها لحكم قطاع غزة مع الوسيط الأمريكي ويتكوف.

ما يتصدر المشهد السياسي والإعلامي ازياد عدد الشهداء والجرحى كل يوم بمصائد الموت بمراكز المساعدات فضلا عن القصف والاجتياحات والتدمير الممنهج لما تبقى من احياء في المخيمات الوسطى وخانيونس، وغاب تماما عن هذا المشهد أي حديث عن وقف لإطلاق النار أو تبادل للأسرى والرهائن سوى تراشق المعلومات بأن لا جديد على موقف كلا من حماس ونتنياهو الذي يترجم يوميا بأعداد الشهداء والجرحى.

وعلى الجانب الآخر فقد قرأت القيادة الرسمية الفلسطينية المشهد السياسي قراءة واقعية واستخلصت الدرس الأساس بأن من نتائج هذه الحرب الجلوس على طاولة المفاوضات لتوزيع المغانم والمكاسب والبحث عن التسويات ما بين الأطراف المتقاتلة، والرابح الأوفر حظا الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلن الرئيس ترامب العودة مجددا لمشروعه القديم الجديد السلام الإقليمي.

الرسالة التي أرسلها الرئيس محمود عباس للرئيس ترامب عشية وقف إطلاق النار هي استشراف لآفاق المستقبل وقراءة دقيقة للمشهد الذي سيتحول لسيناريوهات سياسة يجب ألا تغيب عنها فلسطين قضية وشعبنا.

مع التأكيد على أولوية وقف الحرب على غزة، وفتح المعابر وإدخال المواد الغذائية والطبية، وعودة السلطة الشرعية الفلسطينية لممارسة دورها في حكم قطاع غزة كما هو الحال في الضفة الغربية، وفتح مسار سياسي يؤدي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي عبر المؤتمر دولي للسلام.

رسالة أبو مازن اكدت المؤكد مجددا، أن لا سلام ولا أمن ولا استقرار بالمنطقة بدون السلام الفلسطيني أولا، والتجربة السابقة لمحاولة بناء سلام إقليمي مع بعض الدول بدون فلسطين، كان من نتائجها انفجار الوضع على ما هو عليه منذ السابع من أكتوبر إلى الآن.

ضمانة الآمن والاستقرار في المنطقة هو السلام الفلسطيني القائم على تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وممارسة الشعب الفلسطيني حقه بتقرير المصير، وإقامة دولة المستقلة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لها.

نضال الشعب

زر الذهاب إلى الأعلى