الفكر ليس وجبة سريعة على منصات التواصل

بقلم: حسني شيلو
يعيش المجتمع الفلسطيني كغيره من المجتمعات بالعالم تحولاً جذرياً متسارعا جراء ثورة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي الطاغية أثرها وتداعياتها على مختلف أوجه الحياة والنشاط الإنساني، مدفوعا بتطور تكنولوجيا رقمية، ازالت مختلف العوائق والحواجز التقليدية التي ظلت تحد على مدى عقود من تدفق المعلومات ومشاركتها على نطاق واسع، مما أدى إلى تغييرات عميقة في الثقافة العامة وتغير بالمفاهيم السياسة ، والاقتصادية ، والمجتمعية ككل وقللت من قدرة الأنظمة والجهات الرقابية على التحكم بها او الحد منها وفق توجهاتها.
واليوم وبعيدا عن التقييم الإيجابي او السلبي للظاهرة، تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً اذ أصبحت منصات للتعبير عن الرأي، والتعبئة الاجتماعية، والتواصل بين الأفراد والمجتمعات ، كما أدت إلى تجاوز القيود المكانية، وتوسيع نطاق الوصول إلى المعلومات، وتغيير طريقة التفاعل حول العالم.
ومع انتشار الإنترنت على نطاق واسع، أصبح بإمكان كل من يريد الوصول إلى كميات هائلة من البيانات وتحليلها، أتاحت للمستخدمين مشاركة المحتوى، والتواصل مع بعضهم البعض، وتشكيل مجتمعات افتراضية مما أدى إلى تطورات في مختلف المجالات
هذا التقدم الهائل مع ما رافقه من انتشار ثورة المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي، رغم أهميته واتاحته إمكانية قصوى للاستفادة منها الا انه بالتوازي أنتج توجها يميل الى الضحالة والتبسيط غير المقنع في تناول الموضوعات فقد أصبحت الثقافة والمعلومة على سبيل المثال تقدم عبرها بشكل عام على طريقة الوجبة السريعة دون الخوض في تفاصيل الأحداث او حتى التمحص في مدى دقة المعلومة ومن ناشرها، وانتشرت صحافة المواطن، وأصبح كل مواطن صحفي يقدم معلومة ويزاحم الصحفي في عمله دون التأكد من مصادر المعلومات ودقتها.
ومع تواصل انتشار الظاهرة وتفاقم تداعياتها غير المرضية اليوم، تعاني الأحزاب السياسية في فلسطين وحتى مراكز الفكر من ضحالة الثقافة بشكل عام والسياسية بشكل خاص، فهناك علاقة بين الثقافة وبناء الوعي لدى الجماهير أو الرأي العام وتأثير ذلك على حصانة المجتمع في مواجهة الأخطار المحيطة بنا .
وتعد الثقافة أهم العوامل التي تؤثر في تشكيل وعي الشعوب والمجتمعات، فهي وسيلة للتوجيه الفكري والنفسي، وتلعب دورا مهما في تعزيز الهوية الوطنية.
وفي فلسطين اليوم نعاني من تراجع برامج التثقيف الفكري والسياسي، وأهم ما نحتاج له بناء فكري منفتح متعدد قادر على التصدي للتحديات المعاصرة ، خاصة في مواجهة الشائعات التي تهدد استقرار المجتمع، والسلم الاهلي والمجتمعي ، كما يمكن أن تسهم المؤسسات الثقافية المختلفة في رفع مستوى الوعي لدى المواطنين من خلال قنوات متعددة، وأهمها الأحزاب السياسية وأذرعها النقابية وأهمها الحركة الطلابية في الجامعات التي تشكل الوعي لدى جيل الشباب.
أما الوعي الثقافي، فهو لا يقتصر على تحفيز العقل، بل إنه أيضا وسيلة لتوجيه فكر الأفراد وتشكيل فهمهم للعالم المحيط بهم، فالثقافة تمنح الأفراد الأدوات اللازمة للتفكير النقدي والتحليل، ما يمكنهم من التمييز بين الحقيقة والشائعة.
في فلسطين التي تواجه العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية واهمها السياسية، أصبح من الضروري زيادة الوعي العام حول القضايا المختلفة والتصدي لمحاولات التضليل الإعلامي، والاجندات التي تعمل بعض الفضائيات نشرها، ويرافق ذلك موجه التضليل الإعلامي التي يقوم بها الاحتلال.
في ظل حقيقة تفادي تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي الجامحة والتي باتت منصات للتعبير عن الرأي، ونشر الوعي حول القضايا الاجتماعية. ومنابر للدعوة الى تنظيم الاحتجاجات، والمظاهرات بات على صناع القرار الالتفات أكثر الى اهمية الثقافة السياسية والبناء الفكري الذي يجب أن يبدأ اولا بالحرب عبر ندوات ثقافية وكذلك تأهيل الكادر بثقافة وطنية بعيدا عن العصبية والفئوية التي من شأنها ان تكون سلاحا لمواجهة التحديات.
كما يتوجب على صناع القرار ايضا تقديم المعلومة للمواطنين وعدم تركهم في مواجهة الشائعات، فمهمة صناع القرار التقليل من عادة استهلاك المعلومات والأفكار بشكل سطحي وسريع على وسائل التواصل الاجتماعي عبر تقديم المعلومة واقرار الحصول عليها بما لا يؤثر على السلم الأهلي والمجتمعي.