أقلام وآراء

أيدولوجية الأحزاب وتنميط صورة المرأة

 

 

الفلسطينيات بين النضال والتغييب: أيدولوجية الأحزاب وتنميط صورة المرأة

بقلم: آمنة زقوت

رغم الدور البطولي للمرأة الفلسطينية في صمود المجتمع خلال الحرب الأخيرة على غزة (2023–2025)، من رعاية الأُسر إلى العمل في الخطوط الأمامية في القطاعات الصحية، التعليمية، والإعلامية، ظلّ تمثيلها في الخطاب السياسي والحزبي هامشيًا ومشوّهًا، كأنها ظلٌ لا صوت له.

لقد تجاوز عدد النساء اللواتي استُشهدن في هذه الحرب 12,000 امرأة حتى تاريخه، بينهن طبيبات ومعلمات وصحفيات، وناشطات مجتمع، وأمهات تحمّلن مسؤوليات مضاعفة في ظروف قاسية من النزوح والقصف وانهيار البنية الإنسانية. ومع ذلك، أُسقط دورهن من السردية الوطنية، وتعمّد الإعلام الحزبي تهميشهن أو حصرهن في أدوار رمزية تقليدية.

الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، كحركتي حماس والجهاد الإسلامي، استحضرت المرأة في صورة “أم الشهيد” و”رمز الصبر”، بينما غيّبتها عن مواقع اتخاذ القرار، وقيّدت مشاركتها العلنية والإعلامية باسم “الضوابط الشرعية”. حتى النساء الصحفيات والناشطات، كثيرًا ما مُنعن من الظهور أو التصريح، رغم كفاءتهن وخبرتهن الميدانية، فظل صوتهن في الحروب , وليس في القرار.

أما الأحزاب الوطنية والعلمانية، التي تتبنى خطابًا تقدميًا في الظاهر، فلم تترجم هذا الخطاب إلى تمكين فعلي. ففي لجان الطوارئ، الوفود السياسية، وحتى على الشاشات، غابت النساء، أو ظهرن في سياقات تجميلية لا تعكس وزنهن الحقيقي في الميدان فبتن اللواتي صَمدن ولكن لم يُشار إليهن في البيان.

هذا التغييب لا يمكن عزله عن بنية أيديولوجية أعمق، ترى المرأة أداة رمزية تُستدعى في لحظة تعبئة، وتُقصى حين يُراد اتخاذ القرار. مقاومة الاحتلال لا تزال تُقدّم كفعل ذكوري، والسياسة كمساحة مغلقة على القيادة الرجالية، وكأن دور المرأة يجب أن يتوقف عند حدود التضحية فقط.

لكن الحقيقة التي تُثبتها الوقائع هي أن المرأة الفلسطينية ليست تابعة، بل شريكة في المعاناة والبناء والمواجهة. فهي التي احتضنت المقاومة، وأعادت تشكيل الحياة من تحت الأنقاض، وحافظت على النسيج المجتمعي في أحلك الظروف. ومن منظور علم النفس يواجه الأفراد في مناطق النزاع مستويات شديدة من الضغط النفسي , واضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD) غير أن ما أظهرته العديد من النساء الفلسطينيات في غزة تجاوز مجرد التكيف مع الكارثة , فقد لعبن دوراً محورياً في تنظيم استجابة المجتمع تجاه الأزمات , سواء عبر إدارة بعض البيوت المهدمة , كما والخيام أيضاً , كما  يجب أن لا ننسى دورها الفاعل في المشاركة في عمليات الإغاثة والدعم المجتمعي . مما يؤكد على أن المرأة ليست فقط ضحية , بل هي عنصر فاعل في تحويل الصدمة إلى صلابة نفسية . وقد رصدت دراسات سيكولوجية في النزاعات الممتدة كيف يُسهم الإحساس بالمعنى , والانتماء في بناء ما يُعرف “بالمرونة النفسية” وهي سمة بارزة في الشخصية النسائية الغزية.

وعليه من وجهة نظر كاتبة المقال بأن الظروف الراهنة تُحتم على الأحزاب السياسية مراجعة مقاربتها لقضايا المرأة على نحوٍ يبتعد عن الأنماط التقليدية , ويعكس بموضوعية إسهامات النساء في أوقات السلم , والحرب والتي تُسجل بامتياز أدوارها الحيوية خاصةً في سياق الحرب الجارية في غزة الآن .                                                                               فالتحرر لا يتحقق بيد واحدة، ولا تُبنى الدولة على أنقاض صوت مغيّب. كما أن تحرير الوطن لا يكتمل دون تحرير النساء من قبضة التنميط والإقصاء , فعلى أحزابنا السياسية إعادة الاعتبار لدور المرأة في المقاومة والمجتمع , ليس فقط بالخطاب، بل بالفعل والتمثيل.

فمثلما صمدت المرأة في قلب الحرب، يجب أن تكون شريكة في كتابتها، ومساهمة في روايتها، وقائدة في رسم ملامح ما بعدها.

أستاذ الصحة النفسية المشارك

 

زر الذهاب إلى الأعلى