حرب الاستنزاف “المنسية” مهدت لانتصار المصريين في أكتوبر

نائل موسى
نائل موسى 8 أكتوبر، 2017
Updated 2017/10/08 at 4:55 مساءً

6547078154

 بقلم سيد خميس

 

بعد مرور 44 عاما على حرب أكتوبر المجيدة، مازال التاريخ يسرد بطولات الجيش المصري وبسالته في الدفاع عن أرض الوطن. وتأتي شهادة التاريخ، هذه المرة، على لسان العدو الإسرائيلي، الذي حطمت قواتنا المسلحة أسطورته “الجيش الذي لا يقهر”، التي أطلقتها عليه وسائل الإعلام الإسرائيلية بعد هزيمة 1967.

ونشر المؤرخ الإسرائيلي، يوآف جيلبير، كتاب جديد، بعنوان “حرب الاستنزاف المنسية”، يفند فيه كيف كبدت حرب الاستنزاف (1968 -1970) قوات العدو الإسرائيلي خسائر فادحة؟ وكيف مهدت لانتصار الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973؟ والتي وصفها بأنها كانت صدمة للإسرائيليين.

ويقول جيلبير في كتابه، الذي نشرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أجزاء منه، إن حرب أكتور (حرب “يوم الغفران” وفقا للتسمية الإسرائيلية) كانت بمثابة صدمة للإسرائيلين لم يتمكن الذين عاشوا بعدها من تحرير أنفسهم منها.

ويوضح جيلبير، القائد السابق للواء المظليين الإسرائيلي والمستشار الأكاديمي بكلية القيادة والأركان الإسرائيلية وأستاذ التاريخ العسكري في جامعة “حيفا”، أن الجيش الإسرائيلي أصيب بالغطرسة بعد النكسة (حرب 1967 التي انتصرت فيها إسرائيل)، لدرجة أن ضباط الجيش الإسرائيلي أصبحوا معروفين لعامة الناس. ويقول إنه بعد عام 1967 نُشرت مقابلات أسبوعية مع جنرالات الجيش الإسرائيلي، وصدرت الكتب عن “الجيش الذي لا يقهر” وغمرت “ألبومات النصر” وسائل الإعلام، دون اكتراث لخسائر  بدأ يتكبدها الجيش الإسرائيلي مع بداية حرب الاستنزاف التي شنها الجيش المصري في مارس 1968. مؤكدا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت تكذب حول عدد القتلى والمصابين الإسرائيليين، الذين يتساقطون يوما بعد يوم.

ويسرد المؤرخ الإسرائيلي، في كتابه “حرب الاستنزاف المنسية”، الذي أصدرته دار نشر “دبّيير” الإسرائيلية، أبريل الماضي، أنه في الوقت الذي كانت الهجمات المصرية تتصاعد على خط القنال، كان الإسرائيليون يحتفلون بنصر 1967، ويقارنون بين رابين وبرنارد مونتجمري، الذي كان مشيرا للجيش البريطاني بعد انتصاراته في الحرب العالمية الثانية. كما حصد موشيه دايان، وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، لقب “رجل العام”، ويسخر جيلبير قائلا “كان لكل ضابط إسرائيلي، صحفيا مقربا له يحكي عن بطولاته”.

وفي دراسة استقصائية شاملة لمطبوعات هذه الفترة الزمنية، يظهر جيلبير كيف تبلور الخطاب في المجتمع الإسرائيلي أن الجندي الإسرائيلي ذكي ومنضبط ولا يقهر، موضحا أن كل هذا ساهم في الإفراط في الثقة بالنفس، واستولى على المجتمع الإسرائيلي وجيشه الشعور بالأفضلية.

وهناك فصل مثير للاهتمام في كتاب جيلبير عن الإسهام العلمي “الأكاديمي” في الإحساس بالتفوق الإسرائيلي، ويوضح الكتاب أنه في صيف عام 1967، دعت المخابرات العسكرية الإسرائيلية كبار علماء الاجتماع وعلماء النفس إلى إجراء دراسة شاملة وسرية ودقيقة لأسرى الحرب المصريين، خلصت الدراسة إلى أن مستوى الاستخبارات المصرية أقل بكثير من مستوى الضباط الإسرائيليين، وأن تفكيرهم غير ناضج ومنفصل عن الواقع.

ويوضح الكتاب أن الجيش الإسرائيلي ترجم الدراسة إلى نتيجة واضحة هي: “بما أنه لم يتقدم المصريون من 1948 إلى 1956، ومن 1956 إلى 1967، لذلك ليس هناك سبب للمضي قدما في الحرب المقبلة”، ويؤكد جيلبير أن “دراسة أسرى الحرب قد أثرت بشكل كبير على وجهة نظر كبار ضباط العدو وعززت غطرسنا”، مشيرا إلى أن الذي قاد هذا الخط بشكل واضح كان رئيس الأركان الإسرائيلي حاييم بارليف.

ويقول جيلبير، إن حرب الاستنزاف بدأت بتنفيذ عمليات متواصلة منذ يوليو 1967، وتطورت إلى حرب كاملة ثابتة وطاحنة، بتكلفة يومية للإصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي التي وصلت حوالي 378 إسرائيليا. مؤكدا أن حرب الاستنزاف كان من شأنها أن تؤدي إلى صدمة الهزيمة الإسرائيلية يوم السادس من أكتوبر عام 1973، بسبب ازدراء القدرة المصرية، وعدم قراءة الخريطة بشكل واضح، وعدم وجود استراتيجية دفاعية منظمة، والاعتماد المفرط على القوات الجوية والدعم الأمريكي.

ويؤكد المؤرخ الإسرائيلي، الذي عمل كباحث مساعد في لجنة “أجرانات” (وهي لجنة شكلتها الحكومة الإسرائيلية في أعقاب حرب أكتوبر 1973 للتحقيق في الأخطاء التي حدثت)، أن الجيش الإسرائيلي كان يعيش في مرحلة من “الفصام”. من ناحية، يقولون إن لديه أفضل خطوط دفاعية، ومن ناحية أخرى يتكبد خسائر على الجبهة.

ويوضح جيلبير أن خطة الدفاع الإسرائيلية لغرب سيناء لم تصاغ إلا في نهاية عام 1968، وشملت ثلاثة مبادئ: أن يكون خط المياه عقبة لتقدم المصريين، وإقامة قوات مدرعة في الخط الأمامي، والساتر الترابي (خط برلييف). مشيرا إلى أن الجيش الإسرائيلي كان يظن أن هذا سوف يعوض نقص المدفعية، إذا بدأت الحرب، بالإضافة إلى تحذير المخابرات المبكر من 24 إلى 48 ساعة التي من شأنها أن تحدث الفرق لصالح إسرائيل، إلا أن هذا كله تحطم على أيدي الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973، وفي غضون 6 ساعات أصبح المصريون على الضفة الأخرى من القناة.

ويقول الكاتب الإسرائيلي أن الأمر استغرق وقتا طويلا لكي يفهم الجيش الإسرائيلي أن حرب الاستنزاف هي حرب أخرى، حرب طويلة ومتواصلة، وكانت الخسائر في المعركة دليلا على أن المصريين يقاتلون بشكل مختلف، وأن إسرائيل لم يكن لديها إنجازات في هذه المعارك وليس لديها حلول واضحة لصد الهجمات المصرية.

ويؤكد جيلبير أنه منذ مارس 1969، وحتى طوال الصيف، واصل المصريون سلسلة من عمليات القنص وزراعة الألغام والقصف المدفعي، وأنه كل يوم، كانت هناك وفيات وإصابات من الجانب الإسرائيلي.  مشيرا إلى أن الصحافة الإسرائيلية تعاونت في ذلك الوقت مع الجيش الإسرائيلي، وشددت الرقابة لعدم نشرأي بيانات حول عدد القتلى والمصابين الإسرائيليين، بل أحيانا كذبت وغيرت الحقائق.

 وبعد ذلك بدأ جيش الدفاع الإسرائيلي عمليات في العمق المصري عن طريق الغارات على الجزيرة الخضراء وجزيرة شادوان، وتفجيرالجسور والمنشآت والبنية التحتية، كرد على سلسلة من قوات الكوماندوز المصرية ونصب الكمائن للجيش الإسرائيلي.

ويقول جيلبير إنه في غضون ستة أسابيع، ضربت طائرات القوات الجوية الإسرائيلية 25 مرة داخل العمق المصري، مما جعل الروس يعززون المصريين بصواريخ “ميج” و إس إيه 3″ الجديدة. ولم يكن للقوات الجوية الإسرائيلية رد، لأن هذه الصواريخ لا أحد يستطيع التعامل معها، ولا حتى الأمريكيين. مؤكدا أنه منذ يونيو إلى أغسطس 1970 فقدت إسرائيل 14 طيارا، خمسة قتلى وتسعة أسرى، ومنذ ذلك الحين ركزت إسرائيل  فقط على عرقلة بطاريات الصواريخ المصرية المضادة للطائرات.

ويوضح المؤرخ الإسرائيلي أنه بعد أن قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع بوقف إطلاق النار، رفضت جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل في ذلك الوقت، الاقتراح في البداية، وسافر الرئيس جمال عبد الناصر إلى روسيا للتشاور،  وعندما عاد، أبلغ بشكل غير متوقع الأمريكيين بموافقته على شروط وقف إطلاق النار، ومنذ تلك اللحظة، بدأ الضغط الأمريكي على إسرائيل يوافق على المبادرة، بما في ذلك تهديد لتأخير توريد الطائرات.

وقال جيلبير إن “المصريين كانو يوافقون على كل شيء، ولا يطلبون سوى تأجيل بضع ساعات، ويحركون الصواريخ إلى القناة، ليلة الجمعة والسبت، حيث لا توجد أي طلعات جوية”. مؤكدا أن بهذه البطاريات والصواريخ، أصيبت طائرات القوات الجوية الإسرائيلية بالشلل خلال حرب أكتوبر 1973.

Share this Article
Leave a comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *